بفلوسي!
بعدما تسيدت بثوث الأفراد في وسائل التواصل، انكشفت التباينات في المجتمعات بشكل فج مؤسف، كانت مستترة مستورة عن العيون، ومن الطبيعي أن تكون هناك تباينات في المجتمع الواحد في الأحوال الاجتماعية والمادية الغنى والفقر، لكن من غير الطبيعي تراجع وتدني الإحساس والشعور بأحوال من حولك حتى ولو لم تكن تعرف أحدا منهم بعينه، خاصة إذا ما كنت من الباحثين عن الشهرة بكل وسيلة متاحة وما أكثر الوسائل هذه الأيام. أثبت هذا الانكشاف عزلة فئات داخل المجتمع الواحد عن غيرها اتضح أن بينها أسوارا عالية من انعدام الإحساس أو ضعفه مع سوء فهم بالغ في التحدث بالنعم وشكر الله تعالى عليها.
يتركز الحديث في رمضان الكريم عن كثرة التبضع "المقاضي" في إشارة إلى الإسراف وفي دعوة إلى الترشيد، وهو أمر إيجابي ومحمود، لكن هذا الحديث لم يعد يتناول ـ كما يجب ـ صور التفاخر بموائد الأكل والشرب أو أنواع الأكلات والأطباق بتصويرها ونشرها دون تأمل وإحساس في أوضاع آخرين غير قادرين، قد يرون ويتحسرون، والأمر ينطبق على مظاهر التفاخر المادي المختلفة والمستفزة التي سارت بها وسائل التواصل بمقاطع مصورة تجد الإعجاب والتبرير من البعض أحيانا ويا للعجب.
في قصة مؤثرة لها صلة، نقلتها صحف ووسائل تواصل عن صحيفة "حرييت" التركية عن ثري تركي يدعى محمد بولانيك كان يمتلك 23 محلا تجاريا يعمل فيها 400 موظف وثمانية منازل كلها خسرها في الزلزال المدمر، والبنوك تطالبه بقروض، وأصبح يعيش وأسرته في خيمة كأفقر الناس، وبعد أن يتجول في أحد متاجره المدمرة يروي محمد بولانيك أن ابنه الأوسط كان يتذمر من طعام الإفطار رغم وجود 20 نوعا لا يعجبه منها شيء على الإطلاق قائلا، لا يوجد شيء آكله! ويعلق على كلام ابنه، "والآن بالفعل لم يعد يجد شيئا يأكله سوى شطيرة صغيرة". والثري التركي سعيد بسلامة أسرته من الزلزال راجيا أن يكون أطفاله قد تعلموا الدرس جيدا.
اللهم ارزقنا الرضا بما رزقتنا وبارك لنا فيه وجنبنا البطر والغفلة وحب الشهرة والتفاخر، وأنر بصيرتنا بنورك، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك. اللهم اشف مرضانا ووفقنا لصيام وقيام شهرك الكريم وتفضل علينا بقبوله واختم لنا جميعا برضاك والجنة.