الشيخ ميسي .. سياسة البقاء على قيد "ملعب" الحياة
"إنه يمشي الآن ويراقب، يحرك رأسه يمينا ويسارا، يعرف بالضبط ماذا سيحدث، بعد خمس دقائق يكون قد رسم خريطة تحركه في عقله وعينيه وعرف بالضبط المساحات المتاحة، الأمر أشبه بالبقاء على قيد الحياة في الغابة". كلمات دقيقة وصف بها بيب الإسباني جوارديولا ميسي، لكن هل كان يعلم المدرب الأصلع بين 2008 - 2012 بأن تلك القاعدة طبقها النجم الأرجنتيني على المعشب الأخضر فقط، وكررها على قوائم المال والأعمال، لدرجة أن صاحب القميص رقم عشرة لم يتربع على عرش الساحرة المستديرة فحسب، بل تصدر قائمة الرياضيين الأعلى دخلا لـ2022.
بالرأس المتحرك ذاته والحسابات الدقيقة، أدرك ابن مدينة روزاريو الأرجنتينية، أن كل هدف سيسجله، لا يعني فقط انتصار فريقه أو حصوله على جائزة كروية تخلد اسمه، بل هز الشباك يعني ملايين الدولارات التي ستضاف إلى حسابه البنكي، وبمعادلات لا تحتمل الخطأ، انطلق في تسجيل الأهداف بلا هوادة، معلنا نفسه بأقصى ما يستطيع، وبعد قفزات متتالية في راتبه مع برشلونة، وصل راتب ليونيل ميسي في 2017 إلى 138 مليون يورو سنويا، وهو رقم لم يحصل عليه أي رياضي قبل ذلك، تزامن ذلك مع ازدياد أجره المالي من الحملات التسويقية حيث عقدت معه العملاقة الألمانية "أديداس" عقدا دعائيا مقابل 25 مليون دولار سنويا لمدى الحياة.
وبجانب تألقه مع البارسا ثم انتقاله إلى باريس سان جيرمان الفرنسي، الذي وصل فيه راتبه السنوي إلى 50 مليون يورو للموسم، فشهرة ليو كانت بالنسبة إليه منجم ذهب بعيدا عن المستطيل الأخضر، وهو ما استغله جيدا حين تهافتت عليه الشركات العالمية الأخرى، ففي 2020 وقع مع شركة المياه الغازية "بيبسي" عقد رعاية بقيمة ثمانية ملايين دولار سنويا لمدة ثلاثة أعوام، كما أصبح الوجه الدعائي لمنظمة "سوسيوس" التي تستهدف دخول تقنيات "البلوك تشين" إلى مجال الرياضة، وذلك نظير 20 مليون دولار سنويا.
ما خفي كان أعظم بالتأكيد، فتلك الأرقام ليست سوى العقود المعروفة والمعلنة، لكن هناك حملات إعلامية للبرغوث لا أحد يعرف قيمتها وإن كانت بالملايين، مثل تعاقده مع شركة "كونامي" اليابانية المنتجة للعبة كرة القدم "بيس" الشهيرة، وكذلك قيمة تعاقده مع شركة المياه الغازية "بودوايزر" التي تعاقدت معه في 2020 لمدة ثلاثة أعوام، معدة له زجاجة ذات طعم خاص، وهو الأمر الذي أعلنه ميسي في مقطع دعائي لا يتجاوز 45 ثانية، وتشير تقارير إلى أنه يحصل على نسبة من كل زجاجة تباع باسمه، فضلا عن حصصه في بيع قميصه والهدايا التي تنهال عليه هنا وهناك.
إنه ليس مجرد لاعب أو حتى رجل له طموح اقتصادي، إنه تجسيد لمقولة ماذا يمكن أن تجني من كونك مشهورا فقط، هكذا وصف ميسي في عديد من الأعمال الوثائقية عنه آخرها ما عرضته "بي بي سي" مع المذيع جاري لينكر واللاعب الإسباني سيسك فابريجاس، ويدلل على ذلك استغلاله لحسابه عبر إنستجرام، الذي يحظى بمتابعة أكثر من 415 مليون مشترك، وهذا جعل قيمة أي منشور دعائي عبره تصل إلى 1.7 مليون دولار، وفي الوقت الذي كان يرتدي فيه البشت الخليجي محتفلا بكأس العالم في قطر، كان حسابه يستقبل عشرة ملايين دولار، وهي قيمة ستة منشورات دعائية نشرها في هذا الوقت بحسب "راديو مونت كارلو".
هل اكتفى ميسي؟. الوقائع تقول لا.. ففي الوقت الذي كان فيه يجني الملايين، كانت أملاكه تزداد أيضا، فبحسب جريدة "الصن" البريطانية، يمتلك اللاعب منزلا فاخرا فريدا بلغت قيمته في 2017 نحو تسعة ملايين يورو، ويقع على بعد 19 كيلومترا من ملعب الكامب نو في برشلونة، إضافة إلى منزليين آخرين أحدهما صديق للبيئة على جبل كتالونيا بقيمة سبعة ملايين يورو، والثاني في الأرجنتين في بلدته روزاريو، وبعيدا عن المنازل، يمتلك أيضا أسطول سيارات بقيمة 3.2 مليون يورو، وطائرة خاصة اشتراها في 2018 بمبلغ 15 مليون يورو.
وكرجل يعرف أن لاعب كرة القدم مهما طال وقت لعبه سيعتزل يوما ما، كانت عقلية ابن البارسا حاضرة في التخطيط لتلك اللحظة، وبدا أنه اختار أن يكون رجل اقتصاد كمنافسه الأبرز كريستيانو رونالدو، لينتقل التحدي بينهما من الساحرة المستديرة إلى مجال الفندقة والضيافة، فكما أن "الدون" يمتلك سلسلة فنادق فاخرة تحمل اسمه، سار ليو على الدرب نفسه بشركته "إم أي إم" التي تمتلك فنادق بلغ عددها ستة حتى الآن، جميعها فاخرة وفي مناطق مميزة داخل إسبانيا، إضافة إلى مطعم فاخر في إقليم كتالونيا، دخل فيه النجم الأرجنتيني شريكا مع أخيه رودريجو.
تلك البدايات الاقتصادية وربما كبر سنه، جعله يفكر أكثر في العمل المؤسسي الاقتصادي، وهذا ما دفعه إلى الإعلان أخيرا عن إطلاق شركة قابضة للاستثمار في مجال الرياضة والإعلام والتكنولوجيا على مستوى العالم، وهي شركة "بلاي تايم سبورتس - تيك"، التي يقع مقرها في وادي السيليكون في ولاية سان فرانسيسكو الأمريكية، ومن المفترض أن تكون الشركة أداة استثمار ودعم لتأسيس شركات تكنولوجيا كرة القدم، أو الاستثمار في الفرق الناشئة.
هكذا رسم أسطورة كرة القدم الأرجنتينية مصيره بعد اعتزال اللعبة، الذي كان يراوده حتى كأس العالم الماضي بحسب تصريحاته، لكنه بعد التتويج تأنى وقرر منح نفسه مزيدا من الوقت قبيل انتهاء الموسم الجاري، وبحسب صحف عالمية أشهرها "ماركا" الإسبانية بدأ العالم يتحدث عن انتقاله إلى نادي الهلال السعودي، مقابل عقد مليوني تاريخي لمدة ثلاثة أعوام، والسؤال الآن، هل ستشهد الرياض في 2024 تحديا كرويا فحسب بين رونالدو مع النصر وميسي مع الهلال، أم سنشهد تنافسا مختلفا هذه المرة في الفرص الاقتصادية والاستثمارية والعقارية، لكون ثروة النجمين تناهز ما قيمته مليار يورو وفق "فوربس"، ويبدو من الواضح أن مختلف مدن المملكة متعطشة لرؤية اسميهما وبصمتيهما في كل زاوية.