هل انتهت أزمة الطاقة في أوروبا؟
انتهى فصل الشتاء القارس في القارة العجوز حيث واجهت صناعة الطاقة أزمة غير مسبوقة في تاريخها، حين قطعت إمدادات الغاز الروسي وهو أمر بالغ الأهمية للتدفئة والصناعة والطاقة بأكثر من 80 في المائة، كما ارتفعت أسعار البيع بالجملة للكهرباء والغاز بما يصل إلى 15 ضعفا منذ أوائل 2021 مع الأثر الشديد في المستهلك السكني والتجاري والصناعي. وذكرت الوكالة الدولية للطاقة أن طلب الاتحاد الأوروبي على الغاز انخفض العام الماضي إلى 55 مليار متر مكعب أي بنسبة 13 في المائة وهو ما يكفي لتزويد 40 مليون منزل بالطاقة. واستجاب الاتحاد الأوروبي في أيلول (سبتمبر) 2022 لأزمة الطاقة بتقديم نظام "التدخل الطارئ لمعالجة ارتفاع أسعار الطاقة"، مستهدفا التخفيف من الزيادات المرتفعة في أسعار الكهرباء والغاز وتقليل الطلب على الكهرباء.
ونجح القادة الأوروبيون - إلى حد ما - في تخفيف أسوأ سيناريو لأزمة الطاقة قد يحدث في أوروبا بفضل مزيج من صنع السياسات وديناميكيات السوق والمبادرات الشخصية والرحلات المكوكية في أنحاء العالم والبحث عن الغاز الطبيعي المسال. لكن ذلك لم يكن بثمن بخس، حيث قدرت الوكالة الدولية للطاقة أن الاتحاد الأوروبي أنفق العام الماضي ما يقرب من 400 مليار يورو في مشتريات الغاز وهذا ما يقرب من ثلاثة أضعاف استهلاك 2021، في حين أن ألمانيا قد خصصت 265 مليار يورو وحدها، وهي دولة تعتمد بشكل كبير على الغاز، على عكس فرنسا التي تعتمد على الطاقة النووية.
لقد أوجدت الأزمة الروسية - الأوكرانية فوضى عارمة في سوق الطاقة بحجم غير مسبوق، ما دفع صانعي السياسة الأوروبيين إلى استبدال 140 مليار متر مكعب من الغاز الروسي أو ما يقارب 40 في المائة من إجمالي الواردات. وفي صدف عجيبة، انخفض إنتاج الطاقة النووية في فرنسا إلى أدنى مستوى له منذ 30 عاما بسبب عمليات الصيانة بينما تضرر إنتاج الطاقة الكهرومائية في أوروبا بشدة بحكم الجفاف الشديد.
ودفع شبح الخوف الأسر والشركات إلى أخذ الأمور بأيديهم وتقليص استهلاكهم قبل أن يطلب منهم المبادرة بذلك أو القيام بعمليات ترشيد واسعة النطاق. كما تم تخفيض ساعات الإنتاج ومراقبة الواردات وإجراء تعديلات في المباني مثل خفض منظم الحرارة، وكان توليد الكهرباء هو القطاع الوحيد الذي شهد زيادة في استخدام الغاز بسبب الحاجة إلى تعويض انخفاض الطاقة الكهرومائية والنووية. ومع انتهاء فصل الشتاء، اعتقد البعض أن أزمة الطاقة في أوروبا قد انتهت وهذا غير صحيح البتة لأن عدم التوافق بين العرض والطلب في السوق سيؤدي إلى مواصلة الضغط على الأسعار.
وعلى الرغم من أن أوروبا ستكون قادرة على استيراد الغاز الطبيعي المسال من الدول المنتجة، إلا أنها لن تكون العميل الوحيد في السوق الذي يطلب الغاز الطبيعي المسال في ظل منافسة شرسة من دول آسيوية.
ومع الإجراءات التي اتخذها الأوروبيون فقد خف قلقهم بشأن إمدادات الغاز إلى حد كبير، لكن أصداء الأزمة الروسية- الأوكرانية لا تزال تلقي بظلالها على توقعات المدى الطويل حيث يواجه الاتحاد الأوروبي عجزا محتملا يقارب 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في 2023 بيد أن بالإمكان سد هذه الفجوة وتجنب مخاطر النقص من خلال التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة، وتركيب المضخات الحرارية وتعزيز كفاءة الطاقة وزيادة إمدادات الغاز كما ذكرت الوكالة الدولية للطاقة. وفي حقيقة الأمر، يبدو أن أزمة الطاقة في أوروبا ستستمر لأعوام مقبلة طالما أنها تعتمد على إمدادات الغاز للاقتصاد والبنى التحتية، بل ستستمر الأزمة حتى يتم الانتقال إلى مصادر أخرى، وقد ينذر فصل الصيف المقبل بالمفاجآت المزعجة إلى القارة العجوز.