المستحيل الرقمي
كلما قرأت تقارير جديدة عن كيفية المحافظة على الخصوصية في الحياة الافتراضية والحرص على سرية البيانات والوسائل التي يجب اتباعها لتحقيق النجاح، وكلما أرسل لي صديق مقطعا يحذر فيه من طريقة احتيال مبتكرة أو لا تخطر على البال، إما عن طريق رابط او موقع، أجد أن ذلك الهدف المنشود شبه مستحيل. من السهل النصح بالمحافظة على بياناتك، لكن تطبيق ذلك مسألة أخرى.
كيف يصبح هذا ممكنا وأنت تستخدمها في كل مرة تدخل فيها إلى الفضاء الافتراضي، وكلما ظهر موقع جديد أو تطبيق تستخدمه ارتفعت وتيرة احتمالات انتهاك خصوصيتك. وإذا كان الخبراء التقنيون يقعون في فخاخ سرقة المعلومات فمن الطبيعي أن يكون المستخدم العادي في مقدمة الضحايا، وليس أدل على ذلك من ورطة إدارة شركة سامسونج الكورية، التي هي جزء أصيل من الثورة الرقمية، وتنتج أشهر أجهزتها، حيث كشفت تقارير أخيرا عن قيام موظفين في شركة سامسونج من غير قصد طبعا، بتسريب بيانات حساسة أثناء استخدامهم "شات جي بي تي"، لأغراض العمل. استخدم الموظفون هذه الخدمة لمساعدتهم على حل وإصلاح مشكلات برمجيات، لكنهم أدخلوا عن طريق الخطأ بيانات حساسة للشركة لمدة 20 يوما، ولم تتمكن الشركة من حذف البيانات أو استردادها، ولا يتوقع لها ذلك، بل إن هذه البيانات ربما أصبحت ملكا لشركة أخرى.
وبالنسبة إلى المستخدم العادي الذي يوافق على الشروط والخصوصية وسلامة البيانات دون استطاعة تدقيق لها، ومضطر للحصول على خدمة ما، فمهما قدم له من النصائح فلن يتمكن من تجنب الأخطاء، خاصة مع الاندفاع الرقمي. فوراء تطوير المواقع وتغييرها وتحديث التطبيقات بالإضافة والحذف وتغيير الواجهات كثير من الثغرات المحتملة.
نحن لا نعلم عن أرقام وإحصائيات رسمية موثوقة انتهاكات الخصوصية وسوء استخدام البيانات للاحتيال أو الابتزاز حتى يمكن تقدير حجمها ونسبة الخطر، مقارنة بالخدمة المحتملة والعائد منها، ليمكن طرح سؤال: هل يستحق الأمر اندفاعا رقميا ولهاثا وراء كل جديد فيه، وهل من الضروري المخاطرة في ذلك أم لا؟ وبالعودة إلى حادثة شركة سامسونج والتحذيرات المتوالية من الذكاء الاصطناعي وسوء استخدامه أو بصريح العبارة جعله طعما، هذا الواقع يدفع إلى الاعتقاد أن الذكاء الاصطناعي ليس سوى مكر بشري.
...
عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير