انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024 .. العمر ليس مجرد رقم
قطع الرئيس الأمريكي جو بايدن الشك باليقين، مطلع الأسبوع الماضي، بعد إعلانه الترشح لولاية ثانية، في الانتخابات الرئاسية المزعم تنظيمها عام 2024، سائرا بذلك على نهج من سبقه من الرؤساء، مراهنا على الأرقام والإحصائيات، فالغالب أن كفة الرئيس المنتهية ولايته عادة ما ترجح في جولة الإعادة، فعلى مر التاريخ الانتخابي لم يفشل سوى عشرة رؤساء فقط في معركة الولاية الثانية، كان آخرهم دونالد ترمب، وقبله أسماء أخرى مثل: جورج بوش الأب وجيمي كارتر وجيرالد فورد...
لكن لغة الأرقام سيف ذو حدين، فجو بايدن المرشح باسم الديمقراطيين الذي ناشد الأمريكيين، في خطاب إعلان الترشح الثلاثاء الماضي، طالبا إعطاءه فرصة "لإنهاء المهمة" في عقده الثامن. وينتظر أن تكون مراسيم التنصيب الرئاسي، في حال أعيد انتخابه، عن عمر يناهز 82 عاما، على أن تنتهي الولاية الثانية بعد أربعة أعوام، أي عند أعتاب 86 عاما. أرقام تظل سابقة في التاريخ السياسي الأمريكي، فأكبر الرؤساء كان دونالد ريجان الذي غادر الحكم، بعد ولايتين "1981 - 1889" على مشارف 78 عاما، وهي للمفارقة السن ذاتها التي تولى فيها جو بايدن الرئاسة عام 2021.
يبقى معطى العمر إحدى العقبات القوية أمام الرئيس الأمريكي، في النزال الانتخابي القادم، في ظل تضارب الروايات بشأن قدرات الرجل على القيام بمهامه بشكل طبيعي، فأحدث استطلاعات الرأي تفيد بأن 70 في المائة من الأمريكيين، وضمنهم 51 في المائة من أنصار الحزب الديمقراطي، يعتقدون أن على بايدن التنحي، والتخلي عن حلم الولاية الثانية، فمسألة السن تمثل مصدر قلق حقيقي لدى نحو نصف هؤلاء.
الديمقراطيون .. سباق انتخابي استثنائي
يدخل الرئيس جو بايدن رابع سباق رئاسي في حياته، فقد سبق له أن تعثر في انتخابات 1998 و2008، قبل أن يظفر بمحطة عام 2020. ويبقى السباق الرئاسي المقبل ذا طبيعة استثنائية لأكثر من سبب، ما حدا بمراقبين إلى القول إن بايدن يواجه أعقد معركة انتخابية في مساره السياسي الطويل، الممتد لأكثر من نصف قرن، على اعتبار أن الرجل دخل غمار السياسة مبكرا، بعد انتخابه في مجلس الشيوخ عام 1972، مسجلا نفسه سادس أصغر سيناتور في تاريخ الولايات المتحدة.
يظل العمر أول تلك الأسباب، فخلال هذه الولاية خضع الرئيس لفحوصات طبية مرتين، كانت الأولى أواخر عام 2021، والثانية شباط (فبراير) الماضي، قصد التأكيد أنه في صحة جيدة. واعتبرت الفحوصات الأخيرة بمنزلة رد على رسالة تلقاها البيت الأبيض من عشرات النواب الجمهوريين، أعربوا فيها عن مخاوفهم من الحالة الإدراكية للرئيس، معززين ذلك بلائحة لعثرات وزلات الرئيس خلال ولايته، منبهين الرئيس إلى أن "هذه الأخطاء ليست حوادث منعزلة، لأنها جزء من تاريخ أوسع لأفعالك التي تدل على تدهور وضعك الإدراكي".
تخلى الرئيس عن أسلوب التجاهل أو الدعابة عند كل حديث عن العمر، لمصلحة التفاعل بشكل مباشر مع المسألة، وهو أمر نادر الوقوع، وعيا منه بأهميتها في الاستحقاق الانتخابي. فقد تكلم قبل أسبوعين عن الأمر قائلا "أنا في نهاية مسيرتي المهنية وليس في بدايتها"، مضيفا كلمات امتزج فيها التبرير بالإقناع "لدي خبرة أكثر من أي رئيس آخر في التاريخ الأمريكي. هذا لا يجعلني أفضل أو أسوأ، إنما يعطيني بعض الأعذار".
في المقابل، لدى الرئيس أكثر من ورقة لعب مقارنة بالمعارك السابقة، لعل أقواها منصبه الحالي، فالمرشح يخوض الاستحقاق من موقعه كرئيس للولايات المتحدة، مع ما يعنيه ذلك من أفضلية داخل الحزب "سباق الانتخابات التمهيدية" وفي الدولة "امتيازات الحملة الانتخابية". فضلا عن أدائه النوعي في انتخابات التجديد النصفي، فقد نجح في الصمود أمام الموجة الحمراء للحزب الجمهوري تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
علاوة على سلسلة إنجازاته طيلة هذه الولاية، بدءا بإخراج البلاد من التداعيات المالية السلبية للإغلاقات التي فرضتها جائحة كورنا، مرورا بمشروع قانون البنية التحتية بقيمة إجمالية تفوق 1,2 تريليون دولار، وليس انتهاء بالأداء البطولي -في نظر الأمريكيين- للإدارة الأمريكية في حشد الدعم الغربي لأوكرانيا، منذ بداية الهجوم الروسي عليها.
الجمهوريون .. المفاجأة خيار وارد
يرجح أن يشكل منافس بايدن بدوره جزءا من الاستثنائية التي ستطبع انتخابات 2024، فلو تمكن الرئيس الأسبق دونالد ترمب من الترشح باسم الحزب الجمهوري، فسيتابع العالم مباراة إياب، على أرضية بايدن هذه المرة. فعلاوة على المتابعة القضائية وارتباط اسم ترمب باقتحام مبنى الكابيتول، يبقى ترشحه هدية ثمينة للديمقراطيين، ستعفيهم لا محالة من حرج مشكلة السن، فكلاهما كبير في السن، إذ لا يتعدى الفارق بين الرجلين أربعة أعوام فقط.
اعتبرت أصوات في الداخل الأمريكي ترشح ترمب يرفع حظوظ بايدن لكسب ولاية ثانية بسهولة، رغم عائق السن، لدرجة أن أحد أعضاء هذا الحزب تكلم قائلا "الديمقراطيون يفعلون شيئا واحدا كل مساء. نجلس ونصلي لله أن يكون ترمب مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة". إن اختيار الجمهوريين اللعب مجددا بورقة رجل الأعمال دونالد ترمب الذي يجرى وراء استعادة منصبه الذي ضاع منه 2020، لا محالة سيعزز الفوضى والارتباك داخل الحزب المرتبكة أصلا.
يبقى الأمر كذلك، ما لم يرتكب بايدن خطأ جسميا أو تعثرا واضحا خلال حملته الانتخابية، لكون وقائع من هذا القبيل بمنزلة خطايا لا تغتفر لدى الجمهوريين، سيعملون على تضخيم القضية لإقناع الرأي العام الأمريكي بأن جو بايدن لم يعد مناسبا للرئاسة. وانطلق الأمر عمليا بمجرد إعلان بايدن عزمه الترشح، إذ اعتبرت اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري في بيانها "بايدن منفصلا عن الواقعة لدرجة أنه بعدما تسبب في أزمة تلو أخرى، يرى نفسه جديرا بأربعة أعوام إضافية".
يبدو الحزب الديمقراطي حتى الآن ممسكا بزمام النزال الانتخابي المقبل، فالمعطيات تقود إلى استنتاج أولي باحتمال تكرار جولة 2020، بين بايدن وترمب، ما لم ينفجر لغم صحي في وجه الأول أو لغم قضائي في طريق الثاني. ما يعني أن على الأمريكيين الاختيار بين السيئ والأسوأ، ما جعل أحدهم يعلق ساخرا "انظر، كلاهما كبير في السن. قل لي من سيجعل حياتي أفضل؟".
سيناريو مؤقت قابل للتغيير في أي لحظة، إذ بإمكان قواعد وأنصار الحزب الجمهوري وضع أوراق الديمقراطيين في مهب، باختيار مرشح آخر غير دونالد ترمب لتمثيلهم في الانتخابات الرئاسية. احتمال وارد في ظل الحديث المكثف في الكواليس عن رون ديستانتيس، حاكم ولاية فوريدا، اليميني المتشدد البالغ من العمر 44 عاما فقط.
مهما يكن من أمر، يقود بايدن الولايات المتحدة الأمريكية إلى الانضمام إلى قائمة القادة العالميين المنتخبين الكهول، ممن دخلوا وهم في مواقع المسؤولية في عقدهم الثامن أو التاسع. اقترنت الظاهرة بدول في العالم الثالث تحكمها أنظمة غير ديمقراطية "الكاميرون، زيمبابوي، غينيا الاستوائية، ساحل العاج، نامبيا..."، لكنها امتدت، في العقود الأخيرة، إلى مناطق أخرى من العالم، حيث ساد داء شيخوخة الزعماء مثلما هي حال الرئيس الإيرلندي "82 عاما"، والرئيس الإيطالي "81 عاما"، فهل يصل الداء إلى عقر دار الفكرة الديمقراطية في نسختها المعاصرة.