الوجه الآخر للإبداع
حين بدأ سباق الفضاء بين الأمريكيين والروس في عقد الخمسينيات واجه الطرفان مشكلات معقدة وغير مسبوقة. كان وجود البشر أنفسهم أكبر مشكلة، لكون وجودهم في الفضاء يتطلب توفير أكسجين، وطعام، وماء، وتخلص من الفضلات، ومنع الرطوبة والعفن اللذين يتراكمان في الأماكن المغلقة.
وفي الأغلب كانت الحلول الأمريكية مكلفة ومعقدة، في حين كانت الحلول الروسية زهيدة وبسيطة لدرجة مدهشة. فلتوفير الأكسجين والتخلص من الرطوبة صنع الأمريكان مثلا فلاتر نانوية معقدة تحول الرطوبة إلى ماء وهواء الزفير إلى أكسجين.. وفي المقابل حل الروس هذه المشكلة بتوفير نباتات سيبيرية معروفة بفاعليتها في "شفط الرطوبة" واستهلاك ثاني أكسيد الكربون "الخارج من زفير الرواد" لإنتاج الأكسجين.
وحين اتضح أن أقلام الحبر السائل لا تعمل في الفضاء، "لكون انعدام الجاذبية يمنع نزول الحبر لرأس القلم"، صنع الأمريكان أقلاما تتضمن مضخات كهربائية دقيقة كلف كل منها ثلاثة آلاف دولار.. وفي المقابل حل الروس هذه المشكلة بتزويد الرواد بأقلام رصاص لا يتجاوز سعرها نصف ريال!
وكان الأمريكان قد استخدموا مواد كيميائية معقدة لتحييد الفضلات البشرية ومنعها من التعفن. وفي المقابل لجأ الروس إلى حل بسيط طالما استعمل في القطارات القديمة، مجرد فتحة خارجية تدفع الفضلات البشرية إلى الفضاء الخارجي،
كل هذا يثبت أن الحل الأبسط، والحل المعقد، قد يختلفان في التكلفة وتعقيد التقنية، لكنهما يتساويان في النتيجة والفاعلية.. ليس شرطا أن يكون الحل الأكثر تكلفة وتعقيدا هو دائما الحل الأفضل والأكثر فاعلية بدليل حلول الفضاء الروسية. وهذه القناعة أرجو أن تتبناها أنت شخصيا، لكون معظمنا يملك فكرة خاطئة بأن الحلول الأفضل هي فقط الحلول الأغلى سعرا وأحدث تقنية. فسواء كنت مهندسا أو مسؤولا أو مواطنا يبني منزله، يمكنك دائما "وبقليل من التحليل والمقارنة" اكتشاف حلول أقل تعقيدا وتكلفة.
وقبل أن أغادر، دعوني أخبركم قصة طريفة تثبت أن الحل الأكثر بساطة، هو الوجه الآخر للإبداع.. فقد زرت إحدى قريباتي في بيتها الجديد ولاحظت على الفور وجود بقعة رمادية كبيرة على كنبتها البيضاء الجميلة.. تنبهت لملاحظتي فقالت باستسلام، لا أعلم ماذا أفعل بها، فقد غسلتها عدة مرات واستعملت معها كل أنواع المساحيق وأخذناها عدة مغاسل وبحثت عن أفضل الحلول في "يوتيوب"، لكنها أبت الذهاب..
ولأنني أؤمن بأن "البسـاطة" هي الوجه الآخر للإبداع، قلت وأنا أقلب الوسادة على وجهها الآخر، من الواضح أنك وصلت إلى طريق مسدود.