الصندوق السيادي الصيني لاعب يصعب تجاهله .. كيف بنى أصولا بـ 1.35 تريليون دولار ؟

الصندوق السيادي الصيني لاعب يصعب تجاهله .. كيف بنى أصولا بـ 1.35 تريليون دولار ؟
الصندوق السيادي الصيني لاعب يصعب تجاهله .. كيف بنى أصولا بـ 1.35 تريليون دولار ؟

منذ عدة أشهر كشفت تقارير اقتصادية دولية أن مؤسسة الاستثمار الصينية التي تعد بمنزلة صندوق الثروة السيادي للصين أطاحت بصندوق التقاعد الحكومي النرويجي من قمة هرم الصناديق السيادية في العالم، ليتبوأ الصندوق المركز الأول عالميا، بوصفه الأكبر دوليا من حيث القيمة الإجمالية للأصول التي يمتلكها.
وفقا لتلك التقارير أيضا امتلكت مؤسسة الاستثمار الصينية نحو 1.35 تريليون دولار بنهاية عام 2022، ليزيد صندوق الثروة السيادي الصيني خلال العام الماضي فقط ما يقدر بـ129 مليار دولار، وذلك في الوقت الذي تراجعت فيه أصول صندوق المعاشات التقاعدية الحكومي العالمي في النرويج من 1.33 تريليون دولار إلى 1.15 تريليون دولار خلال عام 2022.
تلك القفزة الصينية تأتي في وقت تشهد فيه الأسواق الاقتصادية تقلبات ملحوظة، ويتخذ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إجراءات مشددة لكبح جماح التضخم، وتفشل دول كبرى مثل بريطانيا التي رفعت أسعار الفائدة للمرة الـ13 في وضع حد للتضخم، كل هذا يدفع الخبراء إلى متابعة أداء صندوق الثروة السيادي الصيني من كثب.
يعود تاريخ تأسيس مؤسسة الاستثمار الصينية إلى عام 2007، ومنذ ذلك التاريخ وهي تتبنى نموذجا استثماريا يعمل كمعظم الصناديق السيادية الأخرى على التركيز في الاستثمارات طويلة الأجل في الأصول العالمية العامة والخاصة على حد سواء بهدف تنويع حيازات الصين من النقد الأجنبي.
تشير الأرقام الرسمية إلى أنه تم تمويل صندوق الثروة السيادي الصيني في البداية برأسمال مسجل قدره 200 مليار دولار. ويعتقد كثير من الخبراء أن الصندوق يلعب دورا رئيسا في تحويل احتياطيات النقد الأجنبي الصينية منخفضة العائد إلى رأسمال استثماري أكثر ربحية، بحيث بات الصندوق لاعبا مهما في تشكيل الأسواق العالمية، وعمل على تحويل أصول الدولة الصينية إلى الصناعات الاستراتيجية مثل أشباه الموصلات والتكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي، ليصبح حاليا إحدى المؤسسات المالية المملوكة للدولة المنوط بها حراسة الاقتصاد الصيني.
يؤكد الخبير الاستثماري ك.دي أرون أن نجاح صندوق الثروة السيادي الصيني يعود إلى المهام المنوطة به ومواقفه الداعية إلى تعزيز العولمة الاقتصادية والتدفق الحر والمنفتح والمنظم للاستثمارات الدولية للمساعدة على إنعاش الاقتصاد الدولي وتحقيق تنمية عالمية ذات صبغة مستدامة.
ويقول لـ"الاقتصادية" إنه "في الأعوام الأخيرة واجه الصندوق بيئة دولية استثمارية معادية إلى حد كبير، فهناك جائحة فيروس كورونا، والتوترات الجيو- سياسية أولا في ظل الحمائية الاقتصادية في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، وحاليا في ظل النزاع الأمريكي - الصيني بشأن تايوان، يضاف إلى ذلك التقلبات المالية والزيادات الهائلة في أسعار الفائدة الدولية، وبالطبع الحرب الروسية - الأوكرانية والتقييم الأمريكي السلبي بأن الصين تؤيد روسيا في تلك المعركة، لكن الصندوق سعى إلى النأي بنفسه عن تلك الأجواء، وأظهر نفسه كمستثمر مالي طويل الأجل يسعى إلى التعاون، ولا يسعى إلى فرض هيمنته على الشركات الموجودة ضمن محفظته الاستثمارية، وفي العام الماضي سجلت استثماراته الخارجية صافي عائد بلغ 14.27 في المائة بالدولار الأمريكي مقارنة بـ14.07 في المائة عام 2021، بينما بلغ العائد الصافي التراكمي السنوي في الأعوام العشرة الماضية 8.73 في المائة متجاوزا بذلك الأهداف المحددة له".
في ظل التحديات التي تواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم فإن مخاوف القائمين على صندوق الثروة السيادي الصيني تدفعهم إلى العمل على أن يكونوا على استعداد دائم للصدمات الخارجية، خاصة أن حيازات الصندوق من الأسهم العامة في الولايات المتحدة بلغت نحو 61.5 في المائة من إجمالي حيازات الصندوق من الأسهم العامة في العام الماضي، وما يقارب 25.4 في المائة من الأسهم العامة الأخرى التي يمتلكها تعود إلى الأسواق المتقدمة، في حين أن نحو 51.3 في المائة من ممتلكاته ذات الدخل الثابت هي سندات سيادية من الاقتصادات المتقدمة.
ويرى جبريال ديفيد المحلل المالي في بورصة لندن أن صندوق الثروة السيادي الصيني يعمل على تجنب الوقوع في مرمى نيران التوترات بين الولايات المتحدة والصين، لهذا قام بتعديل استراتيجيات الاستثمار الخارجي لإفساح المجال لمزيد من الأصول المحلية، لكن نظرا إلى أن صندوق الثروة الصيني يمتلك نحو 1.35 تريليون دولار فسيكون من الصعب على المستثمرين الدوليين تجاهله.
ويقول لـ"الاقتصادية"، "يصعب في الحقيقة إلقاء اللوم على الجانب الصيني أو صندوق الثروة السيادي فيما يتعلق برغبته في توسيع أفقه الاستثماري، وإنما الجزء الأكبر من القلق يعود إلى الموقف العدواني تجاه الصين الذي تتبناه لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، حيث يلاحظ أن الموقف الأمريكي السلبي تجاه الاستثمارات الصينية أدى إلى تراجع عدد استثماراتها المقدمة للجنة الاستثمار الأجنبي الأمريكية، فقد تقلص عدد تلك الاستثمارات من 57 مشروعا سنويا خلال الفترة من 2016-2018 إلى 28 مشروعا فقط عام 2019 ثم 22 مشروعا فقط عام 2020".
ويضيف "كما يوجد عامل آخر لا توليه الأسواق كثيرا من الأهمية، لكن ولا شك في أن له تأثيرا ملحوظا فيما يتعلق بانخفاض الاستثمار الأجنبي من قبل صندوق الثروة السيادي الصيني وهو المتعلق بارتفاع معدل دوران المديرين التنفيذيين في الصندوق، ففي عام 2021 اضطرت مؤسسة الاستثمار الصينية إلى إعادة تشكيل فريق القيادة، وغادر عدد من كبار المتخصصين في الاستثمار، وبحلول مجموعة أخرى من المتخصصين تبنى الصندوق استراتيجية استثمارية يمكن وصفها بأنها كانت أكثر تحفظا تجاه الاستثمارات الدولية في ظل القيود التي تضعها الولايات المتحدة في وجه الاستثمارات الصينية".
من هذا المنطلق يعتقد بعض الخبراء أن صندوق الثروة الصيني وللتغلب على التحديات التي تواجهه فقد يتجه إلى مزيد من التنوع في فئات الأصول الخاصة، مثل الأسهم الخاصة ورأس المال الاستثماري، وذلك لرغبته في تحقيق عائد أعلى في الأعوام المقبلة، وللتغلب على العقبات التي تضعها المؤسسات الأمريكية أمام الاستثمارات الصينية في القطاعات الاستراتيجية.
بالطبع يمكن القول إن صندوق الثروة السيادي في الصين من الضخامة بحيث يصعب على الأسواق الدولية تجاهله، حتى إن أخذت الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية مواقف مقيدة للاستثمارات الصينية. لكن بعض الخبراء يشيرون إلى أن توجه صندوق الثروة السيادي الصيني إلى التركيز على السوق المحلية له ما يبرره لأسباب أخرى.
تقول لـ"الاقتصادية" الدكتورة أبيجيل هنتر أستاذة الاقتصادات الناشئة في جامعة ليدز "هناك اختلاف رئيس بين صندوق الثروة السيادي في الصين والصناديق الأخرى في الدول المختلفة، فالاقتصاد الصيني في حد ذاته اقتصاد ضخم وجاذب للاستثمارات الدولية، وبالتالي صندوق الثروة السيادي يحرص على أن تضم محفظته الاستثمارية عديدا من المشاريع المحلية المربحة، وهذا مختلف عن الحالة النرويجية على سبيل المثال، حيث لا يتمتع الاقتصاد المحلي بالقدرة على استيعاب الاستثمارات القادمة من الصندوق السيادي النرويجي، ما يجعل القائمين عليه يبحثون عن قنوات استثمارية خارجية".

سمات

الأكثر قراءة