ركائز الأمن الاقتصادي «2 من 4»

استنادا إلى البيانات الاقتصادية الكلية، تشير تقديرات اقتصاديي منظمة التجارة العالمية إلى أن 19 في المائة من الصادرات العالمية تصنف ضمن فئة منتجات "عنق الزجاجة"، التي تعرف بأنها المنتجات المتاحة من خلال عدد محدود من الموردين رغم حصتها السوقية الكبيرة . ومما يثير الاهتمام أن هذه الحصة تضاعفت خلال العقدين الماضيين، ما يعني أن سلاسل الإمداد العالمية أصبحت أقل تنوعا بمرور الوقت.
وقد نميل إلى تفسير هذه الحقائق بوصفها شواهد بدهية على نقص التنوع، لكن كونها مجرد انعكاس للتكاليف الغارقة الباهظة في تكوين سلاسل القيمة العالمية هو الاحتمالية الأكبر. فالشركات تتحمل تكلفة كبيرة في تحديد المورد الأجنبي المناسب، وتنسيق عمليات الإنتاج، وبناء علاقات موثوقة، ومن ثم فإن عليها ترشيد استراتيجيات التوريد العالمية. والأهم من ذلك أن الشركات لها مصلحة كبيرة أيضا في تجنب انقطاعات سلاسل الإمداد نظرا إلى تأثيرها المباشر في ميزانياتها النهائية. وحسب تقديرات شركة ماكينزي، فإن انقطاعات سلاسل الإمداد تكلف الشركات ما يزيد على 40 في المائة من أرباحها السنوية خلال العقد الواحد في المتوسط.
كذلك يشير تباطؤ تكيف سلاسل الإمداد العالمية مع الاضطرابات التجارية بين الصين والولايات المتحدة إلى وجود تكاليف غارقة باهظة. ويمكن بالفعل رصد البوادر الأولى على هذا الانفصال في عدد من المنتجات شديدة الانكشاف، كما أشار تشاد باون أخيرا. لكن ما يثير الدهشة أن حجم التجارة الثنائية بين الصين والولايات المتحدة سجل مستويات قياسية عام 2022 رغم استمرارهما في فرض تعريفات جمركية مرتفعة.
وعلى مستوى الاقتصاد الكلي، تجدر الإشارة إلى أن التخصص على مستوى الدول هو نتيجة طبيعية لقوى الميزة النسبية وأحد المصادر المعتادة للمكاسب التجارية. وقد أشرت بالفعل في دراسات أخرى إلى أن منافع التجارة تكمن تحديدا فيما توفره من فرص الحصول على المنتجات التي يصعب العثور على بدائل محلية لها، وذلك باعتبار أن الـ10 في المائة من المنتجات الأكثر أهمية تمثل 90 في المائة من مكاسب التجارة. ويتضح من ذلك أن التنوع في إنتاج منتجات "عنق الزجاجة" المشار إليها آنفا يفرض على الأرجح تكلفة كبيرة على مستويات الرخاء.
وحسب تقديرات اقتصاديي منظمة التجارة العالمية، قد يؤدي تفكك الاقتصاد العالمي إلى كتلتين متنافستين إلى الحد من الدخول الحقيقية بنسبة 5.4 في المائة في المتوسط، بينما تسهم إعادة إحياء التعددية في زيادة الدخول الحقيقية بنسبة 3.2 في المائة، وبالتالي تبلغ تكلفة الفرصة البديلة للتحول إلى المنافسة الجغرافية ـ السياسية بدلا من التعاون الدولي 8.6 في المائة. وتجدر الإشارة إلى أن تكاليف الفرصة البديلة تراوح بين 4 و6 في المائة بالنسبة إلى الاقتصادات المتقدمة و2 و10في المائة بالنسبة إلى الاقتصادات النامية لتصل إلى 3 و11 في المائة بالنسبة إلى الاقتصادات الأقل نموا. وتواجه الدول منخفضة الدخل الأخطار الأكبر على الإطلاق نظرا إلى أنها الأكثر استفادة من الآثار التكنولوجية الإيجابية المقترنة بالتجارة الدولية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي