الأمن في الصناعات التحويلية
يعيش العالم حاليا وضعا اقتصاديا جديدا، يتميز بسمات جديدة لا تشبه العقود الماضية، وقد تجبر الدول على ترك اعتناق نظم اقتصادية شديدة الانفتاح، وبشكل أساس العولمة. فالظروف التي نجمت عن أزمتي كورونا والحرب الروسية، جعلت صناع السياسات الاقتصادية يراجعون قضايا الانكشاف الاقتصادي، التي نالت من سلاسل الإمداد العالمية، وتأثر كثير من الدول، وتزايدت معها عدم الثقة في التجارة العالمية المنبثقة من النظم الاقتصادية المفتوحة. جعل بعض الدول تحمي قطاعات معينة، سواء زراعية أو صناعية، وبشكل مؤكد أن مثل تلك الإجراءات ستنعكس بشكل سلبي على تدفق حركتي الاستثمار الأجنبي والقوى العاملة الماهرة بين الدول. كما أن الاقتصادات التي تملك كتلة سكانية عالية، ركزت على أسواقها الداخلية، لإحداث نمو اقتصادي. ومن اللافت أن مبادئ الخزن الاستراتيجي من أبرز الاتجاهات الناشئة لدى الحكومات والشركات، إضافة إلى أن الصين وأمريكا تعودان إلى السياسات الصناعية بعد الظروف، التي مرت على الاقتصاد العالمي للحد من فرص الانكشاف على دول أخرى، ولا سيما في أوقات الأزمات ولهذا قد نرى ابتعاد عدد من الدول الرئيسة عن العولمة بدوافع أمنها الاقتصادي.
ولذلك، فإن الصناعات التحويلية الوطنية هي أحد المسارات التي تضمن توفير السلع تامة التصنيع وجاهزة للاستهلاك، أي أن القاعدة الإنتاجية الصناعية تعود إلى السياسات الاقتصادية مرة أخرى، لتحقيق هدف أساس وهو الأمن الصناعي والحد من الانكشاف على دول أخرى، على الأقل في الصناعات التحويلية الضرورية، التي كانت الأكثر طلبا في أزمة كورونا، وأبرز الصناعات كانت الغذائية والمشروبات والملابس والسلع الاستهلاكية.
الاستثمار في الصناعات التحويلية يحتاج إلى رأسمال بشري وتكنولوجيا قد لا تكون بالضرورة متقدمة، والشركات الصغيرة والمتوسطة يمكنها سد فجوة الانكشاف في الصناعات التحويلية لمعظم المنتجات الاستهلاكية. والدول التي نجحت اقتصاديا في الماضي، كان لديها سياسات دعم للصناعات التحويلية، وكانت من أهم محركات تجارتها الخارجية، لسهولتها وتكلفتها النسبية المنخفضة، ومن ثم حققت نمو اقتصاد مستدام.
ومن أجل ضمان الأمن الصناعي في الصناعات التحويلية، يجب تطبيق مجموعة من السياسات الحكومية والتدابير الأمنية، وتعزيز البحث والتطوير والابتكار في الصناعات التحويلية، لتحسين الجودة والكفاءة والإنتاجية وتوفير التمويل والدعم المالي للشركات الصغيرة والمتوسطة، وتوفير الإعفاءات الضريبية والتسهيلات الجمركية لتعزيز تنافسيتها وتشجيع الاستثمارات الأجنبية في الصناعات التحويلية بوضع سياسات استثمارية مواتية وتقديم التسهيلات اللازمة وتوفير الحماية الصناعية من خلال فرض الرسوم الجمركية والحواجز التجارية المناسبة لمنتجات الصناعات التحويلية المحلية، والتأكد من أن المنتجات المستوردة تفي بالمعايير الصحية والبيئية والجودة المطلوبة وتطوير البنية التحتية والخدمات اللوجستية المتعلقة بالصناعات التحويلية، مثل النقل والتخزين والتوزيع، لتحسين كفاءة سلاسل الإمداد.
بشكل عام، يمكن القول إن الأمن الصناعي في الصناعات التحويلية يعتمد على السياسات الحكومية الداعمة والتدابير الأمنية المناسبة، إضافة إلى تطوير الموارد البشرية والتكنولوجية، وتعزيز التنافسية والتنمية المستدامة للصناعات التحويلية المحلية.