الاقتصاد العالمي المسار الصحيح .. لم يخرج من المأزق بعد «2 من 3»
أما العامل الثاني فإنه لا يزال التضخم الأساسي، الذي يستبعد أسعار الطاقة والغذاء، أعلى بكثير من أهداف البنوك المركزية، ومن المتوقع أن يتراجع بالتدريج من 6 في المائة هذا العام إلى 4،7 في المائة في 2024، بارتفاع قدره 0،4 نقطة مئوية. والأمر الأكثر مدعاة للقلق هو أن معدل المتوسط السنوي للتضخم الأساسي في الاقتصادات المتقدمة من المتوقع أن يظل دون تغيير عند 5،1 في المائة هذا العام، قبل أن يتراجع إلى 3،1 في المائة في 2024. ومن الواضح أن الحرب ضد التضخم لم تضع أوزارها بعد. ومن العوامل التي لها دور رئيس في استمرار التضخم تطورات سوق العمل وديناميكيات الأجور والأرباح. ولا تزال أسواق العمل نقطة مضيئة بصفة خاصة مع انخفاض معدلات البطالة، وارتفاع مستويات توظيف العمالة، مقارنة بما كانت عليه قبل جائحة كوفيد في كثير من الاقتصادات. وقد ازداد تضخم الأجور عموما لكنه لا يزال أقل من تضخم الأسعار في معظم الدول. والسبب بسيط كما أنه ليست له علاقة تذكر بما يطلق عليه "تضخم الجشع"، أي رفع الأسعار بوتيرة أسرع من الأجور عندما يكون الطلب الاسمي أعلى بكثير مما يستطيع الاقتصاد أن ينتجه. وتراجعت الأجور الحقيقية، نتيجة لذلك، بنحو 3،8 في المائة بين الربع الأول من 2022 و2023 في الاقتصادات المتقدمة وكبرى اقتصادات الأسواق الصاعدة. وانخفاض الأجور الحقيقية يترجم إلى انخفاض في تكاليف العمالة. وقد يفسر ذلك جزءا من قوة سوق العمل رغم تباطؤ النمو. ولكن الزيادة الملاحظة في الوظائف في كثير من الدول تتجاوز ما قد يشير إليه تراجع تكاليف العمالة. ومن الإنصاف قول إن الأسباب ليست مفهومة بشكل تام.
فإذا ظلت أسواق العمل قوية، ينبغي أن نتوقع استعادة الأجور الحقيقية ما فقدته، وأن نرحب بذلك. ويعني ذلك أن نمو الأجور الاسمية سيظل قويا لفترة حتى مع تراجع تضخم الأسعار. وبالفعل، فقد بدأت الفجوة بين الاثنين تتقلص. ولأن هوامش أرباح الشركات في المتوسط نمت بقوة في العامين الماضيين، فإنني ما زلت على ثقة بأن المجال متاح لاستيعاب ارتداد الأجور الحقيقية دون إثارة دوامة من الارتفاعات المتعاقبة في الأجور والأسعار. ومع ثبات التوقعات التضخمية في كبرى الاقتصادات، وتباطؤ النشاط الاقتصادي، من المتوقع أن تساعد ضغوط السوق على احتواء انتقال آثار تكاليف العمل إلى الأسعار.
ولتطورات سوق العمل أهمية بالغة. فإذا تدهورت الأوضاع الاقتصادية في الأجل القصير، تكمن المخاطر من احتمال قيام الشركات بتغيير مسارها وتقليص الوظائف بشكل حاد. وعلى نحو منفصل، تشير قوة تعافي الوظائف، وما اقترن بها من زيادة طفيفة وحسب الناتج، إلى تراجع إنتاجية العمالة ـ وهي مقدار الناتج لكل ساعة عمل. وإذا استمر هذا الاتجاه العام، فلن يبشر بتحقيق النمو على المدى المتوسط.
رغم تشديد السياسة النقدية وتباطؤ الإقراض المصرفي، تراجعت الأوضاع المالية منذ موجة الضغوط المصرفية التي شهدها آذار (مارس). وحدثت طفرة في تقييمات أسواق الأسهم، ولا سيما في شريحة الذكاء الاصطناعي في قطاع التكنولوجيا. واستمر انخفاض سعر صرف الدولار، تدفعه توقعات السوق بانخفاض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وزيادة الإقبال على المخاطرة، وهو ما سمح ببعض الانفراج في الدول الصاعدة والنامية.