قطاع الطاقة والتحول الاستثنائي

لم يكن أكثر المتفائلين عند إطلاق رؤية السعودية 2030 يظن أن بمقدور السعودية الابتعاد عن النفط، النفط الذي شكل لعقود شريان حياتها الاقتصادية ومصدر دخلها الأساس وعماد تنميتها منذ اكتشافه وهي التي كانت صورتها النمطية في أذهان كثيرين عبارة عن كثبان رملية تخفي تحتها بحار من النفط الذي لا ينضب ولا يجف، هذا الاعتقاد لم يكن مستغرب فالسعودية التي تربعت لعقود على قمة الإنتاج العالمي بقدرتها الإنتاجية واحتياطياتها النفطية كان من الصعب تصور تحولها عن النفط فضلاً عن بذلها جهوداً لإيجاد مصادر أخرى للطاقة، لقد كانت الشكوك تحوم حول قدرتها على الابتعاد عن النفط الذي قال عنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يوماً "صار عندنا حالة إدمان نفطية"

اليوم وفي تقريرها السنوي لعام 2024 أوضحت نتائج رؤية السعودية 2030 أن حالة الإدمان النفطية تحولت إلى طور التعافي، فتنوع الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل لم يعد حلماً صعب المنال و سار الاقتصاد بكامل قوته نحو المستهدفات التي تدعم هذا التوجه. ففي عامها التاسع من مسيرة الرؤية سجلت السعودية رقماً قياسياً في مساهمة الأنشطة غير النفطية وتجاوزت 51% كما سجلت النمو الأعلى في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للعام الماضي بنسبة 3.4% وحقق القطاع الخاص نسبة مساهمة قدرها 47% في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2024.

السعودية لم تغفل المصادر الأخرى من الطاقة والتزمت بتخفيض الانبعاثات الكربونية كما استثمرت في الموارد الطبيعية التي تمتلكها لتطوير مصادر غير هيدروكربونية لتدعم برامج الاستدامة فأطلقت البرنامج الوطني للطاقة وبرنامج خادم الحرمين الشريفين للطاقة المتجددة وسجلت أرقاماً قياسية عالمية في جهودها لتنويع مصادر الطاقة وحققت أقل تكلفة انتاج للكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في العالم لتدعم التحول الوطني الى طاقة منخفضة الكربون وتنمية مستدامة، حيث سجل مشروع الشعيبة للطاقة الشمسية 1.04 سنتاً أمريكياً مقابل كل كيلو وات ينتجه المشروع. كما حقق مشروع سكاكا والصداوي والغاط ووعد الشمال أرقاماً مشجعة ووصل عدد المنازل التي تكفيها إنتاج المشروعين الأخيرين من الكهرباء نحو 254 ألف منزلاً.

أما السعة الإجمالية لمساهمة مشاريع الطاقة المتجددة فقد ارتفعت إلى 2.8 جيجاوات ومستوى توليد كهرباء يكفي لتغذية أكثر من 520 ألف منزلاً. لقد تم تدشين أول حافلة نقل تعمل بالهيدروجين لتبلغ عدد الكيلومترات التي تقطعها بشحنة واحد 635 كم بينما تتسع لـ 54 راكباً وأجرت السعودية تجربة لسيارة أجرة تعمل بالهيدروجين يبلغ مداها 350 كم بقدرة تشغيلية تصل إلى 8 ساعات يومياً بينما وصل عدد المبادرات والمشاريع والتنظيمات التي أقرتها برامج الرؤية في مجال الطاقة المتجددة أكثر من 22 مبادرة ومشروع وتنظيم منذ انطلاقتها عام 2016.

السعودية خاضت غمار تحول حققت في ضوءه ريادة عالمية لتصبح ضمن أكبر 10 أسواق عالمية في مجال تخزين الطاقة وتصدرت معدلات النمو في الأسواق الناشئة حيث توفر مشاريع تخزين الطاقة الحالية في السعودية 26 جيجاوات مستهدفة الوصول إلى 46 جيجياوات في 2030.

أبدت السعودية اهتماما خاصا في صناعة تخزين الطاقة وبدأت في تشغيل مشروع بيشة حيث يعد الأكبر في مشاريع تخزين الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا بسعة 2000 ميجاوات و 488 حاوية بطاريات متطورة وسعة تخزين تبلغ 500 ميجاوات تصل إلى 4 ساعات.

أما الغاز فقد مثل مصدراً إستراتيجياً مهماً في إطار الرؤية حيث عززت السعودية من قدراتها وكثفت من جهودها في تطوير واكتشاف مكامن الغاز التي أثمرت عن نجاح كبير ليقفز إنتاجها من 8.3 مليار متر مكعب في 2018 إلى 13 مليار متر مكعب في 2024

لقد برزت جهود السعودية في تنويع مصادر دخلها واستثمارها في الطاقات المتجددة تحولاً كبيراً في تقليل اعتمادها على مصدر وحيد أدت تقلبات أسعاره إلى اضطربات كبيرة في موازناتها المالية وأثرت بشكل ملحوظ في خططها المستقبلية قبل أن تقرر في رؤيتها أن التنوع هو الطريق الأسلم والصحيح نحو تحقيق اقتصاد قوي حيوي مستدام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي