دروس اقتصادية من العقد المفقود

النتائج التجريبية من الاقتصاد الياباني خلال فترة الركود الأشد أو ما تعرف بالعقد المفقود أو العقد الضائع، التي تشير إلى الفترة من أوائل التسعينيات حتى أوائل الألفين، التي تراجع الاستثمار الخاص فيها، أي عندما كانت البنوك اليابانية تواجه موقفا ائتمانيا خطيرا ولم ينقذ اليابان من تلك الأزمة إلا الصادرات، حيث بلغ متوسط معدل النمو 1.1 في المائة للفترة من 1992 حتى 2001، وكان السبب الرئيس في خروج اليابان من الأزمة هي رياح التصدير من خلال زيادة الطلب الخارجي خاصة من الصين والأسواق الناشئة الأخرى في آسيا مثل هونج كونج وكوريا وسنغافورة وتايوان وبشكل خاص من 2001 إلى 2007، حيث قفزت إلى 10 في المائة.
نرجع إلى السبب الجوهري في العقد المفقود من التاريخ الاقتصادي لليابان، انكشف الاقتصاد الياباني على قروض بنكية مفرطة لأصول غير إنتاجية مثل العقارات التي تحولت إلى أصول مضاربة بأموال المصارف وعانى الاقتصاد الياباني أزمة ائتمان، حيث انفجرت فقاعة عقارات المضاربين وتدهورت قيمة الأراضي التي كانت أساس الأزمة، ووصل الانخفاض في الأراضي إلى 70 في المائة على الرغم من أن اليابان لا تملك مخزون أراض كافيا، وكان الانكشاف الشديد من المصارف على الأراضي التجارية. دخل الناس بعد ذلك فيما يعرف بـ"فخ السيولة" أي أن المستهلكين والمستثمرين لا ينفقون أموالهم ولا يستثمرون، وفشلت السياسات الاقتصادية في تحفيز الاقتصاد آنذاك.
تجربة اليابان في "العقد المفقود" تحمل دروسا مهمة بالنسبة إلى الصين في ظل تدهور سوق العقارات الصينية في الأعوام الأخيرة. فبعد أن شهدت الصين نموا مبالغا في قطاع العقارات كما حدث في اليابان خلال الثمانينيات بدعم وتسهيلات مصرفية كبيرة، حيث بدأت أسعار العقارات في الصين تتراجع بشكل حاد ولا سيما أن القطاع العقاري الصيني مثقل بالديون -على سبيل المثال- أخيرا أعلنت شركة كانتري جاردن العقارية احتمال تخلفها عن سداد سنداتها التي تعد من أكبر 500 شركة على مستوى العالم، القطاع العقاري الصيني يشكل 30 في المائة من الاقتصاد الصيني، ولهذا لم أجد تفسيرا اقتصاديا منطقيا حيال استخدام الصين سياسة خفض سعر الفائدة بشكل معاكس لسعر الفائدة الأمريكية وهي دولة ناشئة أي الصين، لأن ذلك سيؤدي إلى خروج الأموال من سوقي الأسهم والنقد وقد نشاهد تراجعات كبيرة.
أخيرا: المؤشرات تعطي دلالات أولية بأن نقص الأموال الشديد يرجع إلى الأزمة العقارية الصينية وسيتضرر النظام المصرفي الصيني بشدة كما حصل في اليابان بعدما تم تمويل أصول تحولت لاحقا إلى أصول مضاربية غير إنتاجية وتأثر بها النظام الاقتصادي الإنتاجي الداخلي وميزان المدفوعات، أعتقد أن على الصين إعادة تخصيص مصارفها وبدعم من الاحتياطي النقدي الحكومي وتسييل جزء من سنداتها الأمريكية لمواجه أزمتها عبر السياسات المالية وليس بالسياسات النقدية "الفائدة"، وقبل الختام على البنوك المركزية أن تعلم بأن أي تمويل يخدم المضاربين سيكون لعنة على اقتصاد الدول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي