هيئة إسناد خارجي للخدمات المشتركة
تعاني الجهات الحكومية حديثة النشأة كالمراكز الجديدة والصناديق والهيئات صغيرة الحجم ذات المهام المحدودة مشكلات كبيرة تتعلق بالخدمات المساندة، مثل خدمات المحاسبة والإدارة المالية والشؤون الإدارية والموارد البشرية وتقنية المعلومات وخدمات أخرى مثل المراجعة الداخلية والتميز المؤسسي، والأمن السيبراني وحتى الحوكمة والامتثال. فكل هذه الخدمات تتطلب مستويات عالية من المهارات من الصعب توفيرها، ومن الصعب انطلاق الأعمال من دونها. ليس هذا فحسب، بل إن الوصول إلى المستوى الملائم للعمل في هذه الخدمات الإدارية الواجبة يتطلب استكمال عناصر أساسية كثيرة من بينها بيئة عمل مناسبة قد تتطلب استئجار مبان واسعة في مناطق حيوية ذات إيجارات مرتفعة، كما تتطلب عددا من اللوائح والسياسات والإجراءات والتقنيات التي تتطلب وقتا ومهارات نادرة يصعب توفيرها، ولمواجهة التحدي الأخير تذهب الجهات حديثة النشأة نحو التعاقد مع شركات استشارية من أجل الوصول إلى المستوى الكافي من اللوائح والسياسات والإجراءات، ومع ذلك فإن هذه العمليات الاستشارية في الأغلب ما تكون مكلفة وتواجه صعوبات التعاقد أو الفهم المشترك، أو غياب التخطيط الاستراتيجي أو حتى غياب المهارات الكافية لتشغيل إجراءات معقدة، وفي كل الأحوال ينقضي الوقت المخصص لانطلاق الأعمال وتعيش الجهات حديثة النشأة مشكلات الانطلاقة الأولى، وتحدياتها، وقد يتم تغيير الشركات المتعاقدة أو تغيير الإدارة التنفيذية أكثر من مرة، ما يسهم في تأجيل الانطلاقة أعواما عدة. هذا يضعنا أمام حقائق وهي: (1) ليس كل مدير تنفيذي مناسبا لمرحلة الانطلاق التشغيلي، فالبعض يكون ذا طبيعة استراتيجية قد تناسب المؤسسات التي استكملت عناصرها الأساسية، ولديها قاعدة من الموظفين الإداريين المهرة، والبعض من التنفيذيين قد يكون مناسبا لمرحلة الانطلاقة، لكن توفير هذه القاعدة من الإداريين يتطلب ميزانية كبيرة للموارد البشرية، ومنافسة حادة في استقطاب المؤهلين، ما يرفع سقف الرواتب بشكل أعلى من حقيقة الإنتاج في هذه الجهات. (2) لا يمكن لأي جهة حديثة النشأة أن تبدأ في التخطيط الاستراتيجي ما لم تستكمل وحداتها الإدارية الرئيسة المشار إليها، ما يعني تضخم تكلفة التشغيل وتأخر النتائج المرجوة وتغيرات البيئة الخارجية بشكل أسرع من استجابة الجهة الجديدة. (3) يعد استقطاب الداخلين الجدد للتخصصات الإدارية غير مناسب في هذه الجهات، نظرا لأنهم بحاجة إلى التدريب والخبرة بينما الجهة نفسها بحاجة إلى مختصين في خبرات كبيرة لتشغيلها بسرعة وكفاءة. (4) إذا تمت الانطلاقة دون استكمال العناصر الإدارية الأساسية فإن تحقيق الأهداف سيواجه أخطارا كثيرة غير محسوبة ولا مرصودة، ما يفاقم الأزمة وتزداد التحديات مع مضي الزمن دون تحقيق المنجزات المطلوبة أو تحقيقها بصورة غير مرضية لتبدأ بعدها ظاهرة تسرب الموظفين، وقد تتغير التوجهات بدمج هذه الجهات أو إغلاقها.
معالجة هذا التحدي الصعب -من وجهة نظري- ترتكز على مفهوم الإسناد الخارجي Outsourcing من خلال إنشاء هيئة حكومية يرتكز دورها على هذا المفهوم حيث تقدم الخدمات الإدارية وتحصل مقابل ذلك على نسبة من الميزانية المخصصة لهذه الإدارات في الجهات المتطلبة لها، فهي هيئة حكومية لها تشكيل نظامي، وتعمل على استقطاب أفضل الموظفين السعوديين، بل تستثمر في الداخلين الجدد من حيث التدريب والتوظيف، فهي ليست جهة استشارية تعمل وفق مفهوم تعظيم الربح، إنما هي من نوع Business Steering، لديها مخزون ضخم من الإجراءات الإدارية المتوائمة مع كل الأنظمة والتنظيميات الحكومية، ولديها شبكة إلكترونية واسعة وخدمات سحابية مدهشة، وتقوم بتنفيذ كل الخدمات المشتركة التي تتطلبها الجهات ليس من كفاءة استخدام الموارد أن تقوم بنفسها بهذه الأدوار، ذلك للأسباب التي تمت مناقشتها أعلاه، فمهمة هذه الهيئة هي العمل فورا مع الجهة التي يتم إنشاؤها أو لم تستطع القيام بمهامها الإدارية كما يجب، ومن خلال آليات تنفيذية معينة يتم تحديد المخصصات اللازمة لهذه الهيئة في ميزانية الجهة طالبة الخدمة، ثم تبدأ التنفيذ فورا، من خلال كوادر الهيئة الإسناد الخارجي، وليس بالضرورة أن يتم نقل الموظفين للجهة الجديدة، بل يتم الربط الشبكي، والعمليات السحابية، لتنطلق أعمال الجهة الجديدة في مهامها بكل سهولة ويسر، وهذا يحقق مزايا كثيرة من بينها ما يلي: أولا: سيسهم هذا في انطلاقة أعمال الجهة الجديدة بسرعة وسهولة، جنبا إلى جنب انطلاقة الخدمات المشركة فورا دون تأخير أو انتظار استقطاب، بل تتركز عمليات التوظيف الأولية في الجهة الجديدة على المهام الأصيلة لها، ما يسهم في استقطاب الأفضل. ثانيا: يتم البت سريعا في الهيكل التنظيمي ومصفوفة الصلاحيات فلا تتأخر هذه الموضوعات المهمة حيث ينفرد أشخاص في بدايات العمل بكثير من المسؤوليات التي يصعب بعدها إعادة تنظيم الأعمال دون صراع أو فوضى. ثالثا: يتم البدء في التخطيط الاستراتيجي فورا في الجهة الجديدة وبناء التوجهات والعمل على المبادرات والتفرغ لها تماما دون قلق بشأن الخدمات المشتركة سواء كانت تقنية أو إدارية أو مالية. رابعا: يتم تنفيذ هذه الخدمات المشتركة بأفضل كفاءة وفق أفضل نماذج الحوكمة وبرقابة عالية. خامسا: زيادة كفاءة الإنفاق على الخدمات المشركة، حيث يمكن لهيئة الإسناد الخارجي تنفيذ هذه الخدمات لعدد من الجهات التي ليس من الجدوى قيامها بهذا الاختصاص. سادسا: يمكن لهيئة الإسناد الخارجي تقديم خدمات المراجعة الداخلية وخدمات الأمن السيبراني لجهات عديدة حتى لو كانت قد استكملت عناصر الخدمات المشتركة، وهي من الموضوعات التي تتطلب مزيدا من الاستقلال، ما يسمح بفضاء واسع لتحقيق كثير من المزايا التي تحققها هذه المهن من بينها مكافحة الفساد.