الاقتصاد ومستقبل الوظائف
في هذا العالم المليء بالتغير المستمر والتطور التكنولوجي السريع لا يمكننا تخطي أهمية "تقرير مستقبل الوظائف 2023" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي World Economic Forum الذي يعد مصدرا لفهم الاتجاهات المستقبلية لسوق العمل، ولا سيما أن المنتدى مرجع موثوق في مجال الاقتصاد والتنمية ولدى صناع السياسات الاقتصادية.
تنبأ التقرير بتحولات قادمة لها تأثيرات اقتصادية واسعة ولذلك يجب علينا أن نتساءل: ما التحولات الاقتصادية التي قد تنشأ عن تلك الاتجاهات؟ وكيف يمكن للدول والشركات التكيف مع التحديات والاستفادة من الفرص المتاحة؟
في هذا السياق: يبرز دور محوري للتكنولوجيا كقوة اقتصادية دافعة وبشكل استثنائي مع العصر الرقمي المتقدم والذكاء الاقتصادي، لهذا نجد أن الاقتصادات التي تستثمر في التكنولوجيا والبحث والتطوير والابتكار ستحقق تميزا تنافسيا، وهذا ما سيفسر نجاح دول من خلال الاعتماد على نظم الاقتصاد الجديد، أي إن التكنولوجيا ستفتح الأبواب لفرص جديدة في مختلف القطاعات الصناعية والخدمية والتجارية.
من زاوية أخرى: زيادة الاعتماد على التكنولوجيا سيزيد الطلب على الموارد البشرية الماهرة فالاقتصادات التي تركز على التعليم والتدريب يمكنها تحقيق ميزة تنافسية وهذا يتطلب تطوير نظام تعليمي قوي يتماشى مع متطلبات سوق العمل ويتكيف ديناميكيا مع التغيرات المستمرة.
سينجم عن التحولات الوظيفية تغيرات اقتصادية مهمة حيث سنرى قطاعات أكثر أهمية من غيرها على سبيل المثال ـ قطاع التكنلوجيا سينمو بطريقة هائلة في حين تتقلص قطاعات أخرى خاصة التي تعتمد على اليد العاملة وهنا يمكن التحدي في التكيف الاقتصادي مع التغيرات والاستفادة من الفرص الناشئة وكذلك الفرص المتاحة.
بالنظرة مرة أخرى إلى واقعنا المتغير، يصبح التكيف والتعليم المستمر من الأمور الحاسمة لضمان نجاحنا الاقتصادي، فالشركات التي تتمتع بالمرونة والقدرة على التكيف مع التغيرات السريعة هي التي ستتفوق في المنافسة ورغم التقدم التكنولوجي فالمهارات البشرية لن تفقد قيمتها الاقتصادية، مثل التفكير النقدي والإبداع والتواصل الفعال ستظل مطلوبة وذات قيمة في سوق العمل.
تشير النظرة الاقتصادية إلى أن الاقتصاد العالمي وسوق العمل يتجهان نحو عالم أكثر ذكاء وتطورا وتخصصا من خلال المهارات العالية والتكنولوجيا، وبالتالي قد تواجه الدول التي لا تهتم بتلك الاتجاهات الجديدة صعوبات اقتصادية تفقدها مكاسب ضخمة، لذا يجب على الدول والشركات أن تكون مستعدة للتكيف والابتكار لضمان موقع قوي في الاقتصاد العالمي الجديد.
أخيرا، نقف على أعتاب ثورة اقتصادية ووظيفية جديدة، حيث تكتسب التكنولوجيا القوة وتصبح الغالبة في تشكيل معالم المستقبل، ومع ذلك فالاستثمار في الموارد البشرية لن يكون أقل أهمية، فالتقنية وحدها لا تستطيع بناء اقتصاد مزدهر، ولكن بالتزامن مع الموارد البشرية الماهرة يمكننا صناعة فارق هائل، ثم إن النجاح في هذا العالم لن يكون للذين يمتلكون التكنولوجيا فقط، بل للذين يجمعون بين الابتكار التكنولوجي والتميز البشري.