تسليح أوكرانيا يلقي بظلاله .. تأكيدات وشكوك
سحبت القوات البرية الأوكرانية، أخيرا، دبابات ليوبارد 2 من الخطوط الأولى، بعدما تم الترويج للدبابة على أنها واحدة من أقوى الدبابات وأكثرها حداثة في العالم، متفوقة على الدبابات السوفياتية والروسية، حيث فشلت ليوبارد 2 الأوكرانية في المعركة الأولى، حيث يرجع فشل الدبابة إلى أسباب عدة أبرزها، سياسة المكافأة من وزارة الدفاع والحكومة والأفراد والجماعات الروسية للجنود الذين يدمرون الأسلحة الغربية، وتحفيزهم على إعطاء الأولوية في استهداف دبابات ليوبارد 2، إضافة إلى الأسلحة الأمريكية والغربية الأخرى.
على الرغم من فشل الدبابة بالارتقاء إلى الحملة الاوكرانية، التي سبقت انضمامها في تغيير موازين المعارك على الأرض، تبنت أوكرانيا حملة ترويجية بإعلان رقم صعب جديد في تغيير الأوضاع القتالية برا وجوا، بانضمام المقاتلة الأمريكية "إف - 16" إلى أسطولها الجوي.
وافقت الإدارة الأمريكية على قرار يقضي بتزويد القوات الجوية الأوكرانية بطائرات من طراز المقاتلة الأكثر شهرة في العالم "إف - 16"، لدعم القدرات الدفاعية للجيش الأوكراني، كما تهدف الصفقة إلى مواجهة الهجمات الروسية المقبلة على العاصمة كييف وبقية جبهات القتال الساخنة، التي تشهد حملات عسكرية روسية.
تضمنت المبادرة الأمريكية مباركة المساهمة الهولندية الدنماركية في التبرع بالمقاتلات الحربية، ضمن شروط محددة تشمل مشاركتهما في عملية انتقاء الطيارين المؤهلين لقيادة الطائرات المقاتلة وتشغيلها، إضافة إلى الإشراف على عمليات التدريب والإعداد لقيادة واستغلال المقاتلات الأمريكية بفاعلية ونجاح، إلى جانب توفير البنية التحتية والتسهيلات والمتطلبات اللوجستية والتراخيص اللازمة لدخول هذه الطائرات في الخدمة.
الموافقة الأمريكية دفعت ياكوب إيلمان ينسن وزير الدفاع الدنماركي، للتأكيد أن تحالفا يضم 11 دولة سيبدأ تدريب الطيارين في أوكرانيا، وأن نتائج التدريب ستظهر مطلع 2024، وهو الأمر الذي يطرح كثيرا من الأسئلة حول تأثير هذه الطائرات في مستقبل العمليات العسكرية ومسار الحرب بمجمله، خاصة مع عدم تحقيق الهجوم الأوكراني المضاد الأخير نتائجه المرجوة.
لقي القرار الأمريكي ترحيبا أوكرانيا من أعلى المستويات، حيث وصف الرئيس الأوكراني فولدمير زيلينسكي القرار الأمريكي، والاتفاق الذي ضم كلا من هولندا والدنمارك بـ"الاتفاق الثوري"، مؤكدا دور هذه المقاتلات في تحقيق التفوق الجوي على روسيا.
ولم يقتصر الترحيب الأوكراني على الرئيس، حيث سارع ميكولا أوليشك قائد القوات الجوية الأوكرانية، إلى مباركة القرار عمليا، من خلال العمل على تجهيز المدارج التي ستستقبل الطائرات التي تضمنها الاتفاق، مع تأكيد أنها ستكون صالحة للاستخدام، ومناسبة لاستقبال مقاتلات "إف - 16" الأمريكية خلال الموعد المحدد لاستقبالها في البلاد.
التحضيرات الأوروبية كانت على قدم وساق، باستباق القرار الأمريكي وتهيئة مدارج مخصصة لإقلاع وهبوط الطائرات، وتم العمل عليها في وقت سابق، من قبل بريطانيا وفرنسا والسويد، حيث تم تقديمها إلى كييف في وقت سابق من هذا العام، كما سبق أن عبرت الدول الغربية عن حرصها المتواصل على تعزيز القدرات الجوية الأوكرانية، لضمان استمرار قدراتها على مواجهة الهجمات الروسية.
وفي هذا الصدد، جاءت موافقة واشنطن على نقل طائرات مقاتلة من طراز "إف - 16" أمريكية الصنع إلى أوكرانيا من الدنمارك وهولندا، وتعهدت هولندا بتقديم 12 طائرة حربية، فيما تعهدت الدنمارك بثماني طائرات من الطراز نفسه إلى القوات الجوية الأوكرانية.
بدوره، راهن الرئيس الأوكراني على الطائرات الحربية الأمريكية، التي ستقدم لبلاده، حيث ستمنحها القدرة على تحقيق التفوق الجوي على روسيا، ما يحقق زيادة فاعلية خطة الدفاع ضد الطائرات والصواريخ والطائرات دون طيار الروسية، وهو ما سيمنح القوات الأوكرانية الفرصة لإنهاء الغزو الروسي، مشيرا في تصريحاته إلى أن هذه الطائرات ستستخدم داخل حدود أوكرانيا فقط، ولن تستخدم ضد أهداف روسية خارجية.
في السياق ذاته، ربطت الدول الغربية موافقتها على تزويد أوكرانيا بمقاتلات أمريكية مقاتلة، بتقديم كييف تعهدات بعدم إقدامها على استخدام هذه الطائرات في الداخل الروسي، كما يعد مدى التزام كييف بهذا الأمر في المستقبل موضع شكوك، خاصة إذا وجدت الدول الغربية أن أوكرانيا لم تحقق ما كانت تصبو إليه من الحصول على "إف - 16".
وتضع الدول الغربية مساحات محظورة في دعمها العسكري لأوكرانيا، إلا أن هذه المساحات بدأت تتراجع بمرور الوقت في ظل التطورات الميدانية في الحرب، كما أن تحلل أوكرانيا من تعهداتها بعدم استهداف روسيا، سيعني دخول الحرب مرحلة جديدة أكثر تعقيدا، لأنها حينها سيكون من الصعب توقع رد الفعل الروسي.
قدمت القيادة الأوكرانية التعهدات والضمانات اللازمة بعدم إقدامها على استخدام هذه الطائرات في الداخل الروسي، بجانب عدم تمكن القوات الروسية من حسم ميدان المعركة بالاعتماد على السلاح البري، وافقت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على تقديم هذه الطائرات المقاتلة إلى السلطات الأوكرانية، بيد أن من المتوقع ألا تتمكن السلطات الأوكرانية من استخدام هذه الطائرات في ميدان المعركة إلا في النصف الثاني من 2024.
بدورها، بررت واشنطن وشركاؤها تأخير تسليم الطائرات إلى السلطات الأوكرانية، بإرجاع الأمر إلى الترتيبات اللوجستية، حيث يحتاج الطيارون الأوكرانيون إلى فترة من الوقت حتى يتمكنوا من التدرب على استخدام الطائرات، إضافة إلى الترتيبات المرتبطة بعمليات الصيانة والمراجعة، وحاجة الدول المقدمة لهذه الطائرات إلى حسم هذه الأمور قبل تقديم الطائرات إلى الجيش الأوكراني، فمن غير الممكن لعناصرها العسكرية الوجود على الأراضي الأوكرانية، والتدخل في حالة الحاجة إلى صيانة هذه الطائرات، منعا للانخراط في أي مواجهة مباشرة مع موسكو.
أما الأسباب غير المعلنة وراء تأخير الولايات المتحدة وحلفائها إتمام هذه الصفقة، فتكمن بصورة أساسية في استمرار وجود تخوفات لدى القوى الغربية من تورط حلف الشمال الأطلسي (الناتو) في الحرب بصورة مباشرة، خصوصا أن روسيا سبق أن هددت بأنه في حالة تقديم حلف الناتو أي سلاح متطور أو مقاتلات متقدمة إلى القوات الأوكرانية، فإن موسكو ستتعامل مع هذا الأمر بوصفه إعلان حرب مباشر من الحلف ضد قواتها، وستتخذ ما هو لازم للتعاطي مع هذا التطور الخطير.
من جهتها، عدت موسكو تزويد أوكرانيا بطائرات "إف - 16" تحديا لها وتهديدا لأمنها، وقد تلجأ إلى خطوات مضادة، مثل زيادة التدخل العسكري في شرق أوكرانيا، أو تزويد المتمردين والانفصاليين الأوكرانيين في الشرق بأسلحة أكثر تطورا، وصولا إلى استهداف أهداف عسكرية أوروبية وأمريكية، إضافة إلى اتخاذ إجراءات انتقامية ضد الدول المتورطة في هذه الصفقة.
يذكر أن سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، أكد في تصريح سابق، أن بلاده ستعد إرسال مقاتلات "إف - 16" إلى أوكرانيا بمنزلة "تهديد نووي"، كما لحقه تصريح للمندوب الدائم لروسيا الاتحادية لدى "الناتو" سابقا ألكسندر جروشكوا، بأن تزويد أوكرانيا بهذه المقاتلات يعني أن الدول الغربية لا تزال متمسكة بسيناريو التصعيد، الذي ينطوي على أخطار هائلة، مؤكدا أن موسكو تحتفظ بحقها في الرد في جميع الأحوال، باستخدام مختلف الأدوات لتحقيق أهدافها المحددة مسبقا.