الرفيق الحقود

يجب أن يدرك الزوجان من تلك اللحظة التي يرتبطان فيها أن هناك رحلة طويلة بانتظارهما تختلف تماما عن الصورة الرومانسية التي نراها في وسائل التواصل ما بين باقات الورود، والشموع المتوهجة والليالي الحالمة والمشاعر الناعمة والرقص على ضوء القمر. الحياة الزوجية الحقيقية مثل سفينة تمخر عباب البحر حتى تصل إلى ميناء آمن لا بد أن تنتصر على الأمواج المتلاطمة وتقاوم العواصف الهوجاء وتتجنب الاصطدام بجبال الجليد، يقودها قبطان ويسانده مساعده يسيران وفق خطة محكمة لا تتحكم فيها الأهواء الجامحة ولا "شطحات" الرغبات غير المدروسة ولا رعونة القرارات المتخبطة، من يحرض الآخرين بالتمرد على هذه الرحلة الجميلة وإفسادها، سيحمل إثمهم ودعواتهم عليه التي ستظل تلاحقه لآخر العمر.

قبل فترة اتصلت بي إحدى زميلاتي بسبب ارتعاش صوتها وشهقات بكائها لم أتمكن من معرفة ما تقول بوضوح. كانت في شبه انهيار. طلبت منها الحضور لمنزلي، وحين حضرت كانت أشبه بشخص وقع من فوق جبل وتلقفته غصون الأشجار اليابسة إلى أن تدحرج نحو واد سحيق، فاستقرت أشواكه في كل جسده، من بين دموعها وتنهيداتها التي تحرق صدرها عرفت أنها استمعت لصديق زوجها وهو يحرضه على الزواج من ثانية ويتكفل بمصاريف كل شيء، ويشجعه أن يعيش شهر العسل والرومانسية من جديد، ويدعوه إلى السفر معه ليلتقي بالعروسة التي رشحها له وهي قريبة لزوجته الثانية، ثم ظل "يزن ويزن" عليه حتى شعرت بأن زوجها بدأت الفكرة تختمر في رأسه، كل هذا وهي صامتة بجواره وتقوم بتسجيل المكالمة صوتيا، وحين انتهت حدث شجار كبير بينهما وهددها زوجها بأنه سيتزوج شاءت أم أبت، ولها حرية الاختيار بالبقاء أو الطلاق، أسمعتني المكالمة وصدقا لم أستمع لصوت رجل بل لفحيح أفعي سامة تلتف بنعومة حول رقبة صاحبها قبل أن تفرغ سمها في جسده. الرفيق الحقود هو الذي يحرض رفيقه على هدم منزله من أجل فكرة يوهمه من خلالها بأن سعادته تكمن في تحقيقها، ويظل يلح عليه بإصرار حتى تتهدم أعمدة منزله ويتشتت أطفاله ويخسر رفيقة دربه.

أمثال هذا الرفيق الحقود موجودون في الاستراحات والعمل والمقاهي يستمتعون برؤية السم الذي ينفثونه يسري في أجساد ضحاياهم، يعتاشون على الهدم والخراب وتعاسة الآخرين، لو كانوا يشعرون بالسعادة الحقيقية في حياتهم لأخفوها بحرص حتى لا يحسدهم عليها رفاقهم، لكنهم ببساطة يريدون الجميع تعساء مثلهم.
وخزة:
زميلتي وزوجها يضرب المثل بسعادتهما وحياتهما المستقرة منذ 30 عاما، ودخول مثل هذا الرفيق الحقود كاد يفسدها لولا ستر الله ثم تدخل العقلاء الذي اقتضى منه قطع علاقته نهائيا بذلك الحقود

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي