لص المطبخ
نماذج كرم الإنسان تجلت مع الشبكات الاجتماعية، وبرزت بوضوح، كان آخرها نموذج قريب، وجد تفاعلا عالميا مع صورة زوجين طاعنين في السن بلا مأوى يبلغان من العمر بضعا وسبعين عاما يمسكان ببعضهما بعضا وحقيبة سفر لا يملكان من حطام الدنيا غيرها، فعملت تلك التغريدة في الناس عمل المعجزات انتشارا وتفاعلا وتأثيرا وقصصا أقرب للخيال.
في مجتمعنا السعودي مواقف وأحداث تؤكد وجود هذه القيمة الإنسانية السامية التي تبرز قيمتي التآزر والكرم، اللتين تعدان من أهم القيم الإنسانية المشتركة التي تجمع على الاعتراف بها الحضارات الكونية.
وللكرم مكانة عظيمة عند العرب، وقليل منه يكون بالمال فثمة كرم النفس والأخلاق والابتسامة والمعشر، وقد سجل التراث العربي صورا بالغة الجمال، ومنها:
تعود بسط الكف حتى لو انه
ثناها لقبض لم تطعه أنامله
ثم أردف الشاعر ببيت ثان أقوى وأبلغ وأمتن:
ولو لم يكن في كفه غير روحه
لجاد بها فليتق الله سائله!
ثمة صور للكرم اختفت بسبب عوامل الحضارة، منها: إقراء المسافر وإكرام الضيف ثلاثا وغيرها من مآثر العرب التي قل وجودها حاليا بصورتها القديمة، لكنها ما زالت تظهر بصور أخرى، وتبرز المعنى ذاته، وفي هذا تغنى عديد من الشعراء، كمثل من قال:
يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا
نحن الضيوف وأنت رب المنزل
ليست القضية بكثرة ما يقدم للضيف أو المحتاج من قلته، لكن الأهم من كل ذلك أن يكرم بصدق، لا بضيق أو تضجر أو إكراه، لأن "الجود من الموجود"، وقد قال الشاعر العربي الآخر في هذا المعنى:
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى
ولكنما وجه الكريم خصيب
وهو عين مقصود كما يقول المثل العامي العربي: "بليلة مباشر خير من ذبيحة مكاشر".
ضد الكرم البخل، وهو من شر الأخلاق، فالبخيل لا ينتظر منه خير على حد قول القائل، وقد أجاد من قال:
ولا ترج السماحة من بخيل
فما في النار للظمآن ماء
وإن كان مطلوبا من المضيف الجود بموجوده، فقمن ألا يكثر الضيف من الترداد إلى المضيف: "زر غبا، تزدد حبا"، ومن الأمثال الصينية: "الضيف اليومي لص المطبخ".