السعودية وملتقى التجارة بين الشرق والغرب
الخدمات اللوجستية كانت أحد أهم ركائز رؤية المملكة 2030 حيث إنها جزء من الركائز الثلاث التي تتعلق بموقع المملكة الجغرافي، الذي يربط بين الشرق والغرب وعندما تم إعلان أنها ستكون جزءا من طريق الحرير، وهو الطريق الذي يصل من الصين إلى الغرب بين أوروبا وإفريقيا، بعد ذلك يتم إعلان الطريق الجديد الذي يصل عمق أوروبا وقبلها الولايات المتحدة الأمريكية وذلك بالاتجاه الجنوبي الشرقي مرورا بالمملكة وصولا إلى الهند.
الطروحات فيما يتعلق بهذه الطرق أخذ النقاش فيه بعدا سياسيا وهو المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في كسب مسار أكثر كفاءة وأقل تكلفة لحركة التجارة في العالم، فالاتجاه الأول يبدأ من الصين في مبادرة هي امتداد لمسار تاريخي يسمى طريق الحرير وهو مسار التجارة قديما من الصين وإليها والمبادرة الثانية طريق يصل في العالم إلى الهند التي تعد أكبر دول العالم سكانا حاليا، وهي محط أنظار الشركات للتحول من الصين إلى الهند، إذ أصبحت تشهد نموا كبيرا في الناتج المحلي، ويتوقع البعض أن يستمر هذا النمو على غرار ما حصل في الصين خلال العقود الماضية، والطريق الذي يمتد من أوروبا سيكون له دور في دعم هذا النمو وانخفاض التكلفة لانتقال رؤوس الأموال والبضائع والسلع بين الغرب والشرق والعكس كذلك، ومع الإغراق في طرح هذه النظرية والتوسع في تحليلاتها نجد أن الأمر - فيما يظهر - يختلف عما يريد البعض أن يصوره كأنه صراع على النفوذ بين الغرب والصين، وإذا ما تأملنا التحولات الكبيرة في الاقتصاد العالمي التي كان من أهمها منظمة التجارة العالمية والعولمة التي كان لها دور في توزيع حركة الإنتاج في العالم وتحول الشركات العملاقة إلى شركات متعددة الجنسيات، والبحث عن الخيارات لتقليل التكلفة للمنتجات، حيث نجد اليوم أن معظم الشركات الكبرى في العالم لا يتركز إنتاجها في دولة واحدة في العالم، كما أنها لا تصنع جميع المكونات الخاصة بمنتجاتها في مكان واحد في العالم، وهذا نتاج للعولمة التي عززت الترابط بين دول العالم، ما كان له الأثر في تقليل تكلفة المنتجات.
في هذه المرحلة أصبح من المهم العمل على مشروع جديد يرتبط بالربط بين دول العالم لتسهيل حركة التجارة، حيث تعتمد التجارة حاليا بصورة كبيرة على النقلين البحري والجوي، وهذه الطرق جزء منها مرتفع التكلفة وهو النقل الجوي وقد لا يكون مناسبا لمختلف البضائع، كما أن النقل البحري يمكن أن ينقل أنواعا كثيرة من البضائع، لكن حركة التجارة العالمية ضخمة وكبيرة، وأصبحت المضائق البحرية ذات أخطار عالية، خصوصا مع وجود بعض الحوادث التي قد تتسبب في إغلاق بعضها وتأخر وصول البضائع لمدد كبيرة بسبب التكدس الذي يمكن أن يحصل بسبب ذلك. تبقى الطرق البرية التي تعد غير فعالة حاليا بما يكفي في حركة النقل التجارية.
المملكة وبما أنها تقريبا ضمن عدد محدود من الدول التي تشترك في كلا المشروعين وتعد الدولة الأهم ربطا بين الطريقين سيكون لها نصيب الأسد من النتائج الخاصة بالخدمات اللوجستية وبما أنها ستكون ملتقى للطريقين، فإن مسارات التجارة لديها لن تكون طريقين فقط، بل إن حركة التجارة بين الصين وأوروبا ستمر من خلال طريق الحرير باتجاه أوروبا والعكس كذلك، وقد يولد ذلك 12 مسارا للتجارة في العالم لا يمكن أن تتجاوز المملكة، ما يجعلها المركز الأهم لحركة التجارة البرية في العالم، وهذا سيولد فرصا كبيرة جدا للاقتصاد في المملكة وسيعزز جودة الحياة من خلال إنشاء بنية تحتية وطرق للنقل، ولذلك من المهم أن تكون هناك معرفة للفرص التي يمكن أن تولدها هذه المشاريع العالمية.
الخلاصة: إن طريق الحرير وطريق التجارة من أوروبا إلى الهند سيعززان حجم الفرص الكبيرة للمنطقة، وسيكون للمملكة نصيب الأسد منها حيث ستكون ممرا لأكثر من عشرة مسارات للتجارة بين دول العالم وستكون الخطوط البرية لحركة التجارة أحد أهم الخيارات الأقل تكلفة وأكثر استدامة لحركة التجارة بين دول العالم وانتقال البضائع بتكلفة أقل وصورة أسرع بين دول العالم، على غرار التحولات التي حدثت سابقا فيما يتعلق بالتجارة العالمية بعد إنشاء منظمة التجارة العالمية والعولمة التي كان لها أثر في توزيع مراكز الصناعة والإنتاج بما يعزز الكفاءة وانخفاض التكلفة للمنتجات والاستغلال الأمثل للموارد، واستفادة دول كثيرة حول العالم من خلال اتساع خريطة الصناعة العالمية.