"الممر الاقتصادي" .. شراكة تاريخية لدعم البنية التحتية العالمية

"الممر الاقتصادي" .. شراكة تاريخية لدعم البنية التحتية العالمية

أدت التحولات التاريخية في المملكة العربية السعودية، التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى إعادة الزخم والاهتمام العالمي ليس فقط في السعودية لكن في المنطقة كلها، حيث شهدت قمة الـ20 أخيرا، الإعلان عن مشروع الممر الاقتصادي أو ما يعرف بالممر العظيم الذي سيكون الأكبر على مستوى العالم، وسيكون هذا المشروع المشترك رابطا للهند بالشرق الأوسط والقارة الأوروبية.
في مقابلته الأخيرة مع قناة فوكس نيوز الأمريكية، أكد الأمير محمد بن سلمان على أن الثابت الوحيد في العلاقات السياسية هو التغيير، وذلك في إشارة منه على التحول الإيجابي في العلاقة السعودية الأمريكية، التي شهدت انفراجة خلال اجتماع قمة الـ20 في نيودلهي والسلام بين الأمير محمد والرئيس بايدن.
تمكنت السعودية منذ عام 2015 على تغيير ملامح المنطقة بتبنيها مشاريع كبرى، من خلال رؤية 2030، التي دفعت الاستثمارات العالمية إلى التوجه صوب العاصمة الرياض ومناطق المملكة كافة للحصول على فرصة المشاركة بعملية البناء التجديدية التي يقودها ولي العهد.
تمكنت السعودية خلال ثمانية أعوام من تحقيق جزء كبير من مستهدفات رؤية 2030، التي على رأسها تنويع مصادر الدخل غير النفطي وتنميتها، لخفض الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للناتج القومي، لترسخ قواعد اقتصادية متينة بالاستثمار المحلي والخارجي، من خلال وزنها السياسي، وثقلها الاقتصادي، ومكانتها الدينية، لتكون حلقة وصل بين الشرق والغرب، ولتكون عنصر ارتكاز لمشروع الممر الاقتصادي.
أعلنت قمة الـ20 الأخيرة عن شراكة تاريخية لدعم البنية التحتية العالمية، من خلال ممر اقتصادي عالمي جديد، يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا؛ إذ اتفقت عدة دول (أمريكا، والسعودية، والهند، والإمارات، والأردن، وإسرائيل، وأطراف أوروبية عدة)، حيث يتيح المشروع فرصا واعدة للدول عبر إيجاد طريق تجارية موثوقة وأكثر فاعلية من حيث التكلفة، وبما يعزز مرونة سلاسل التوريد، الأمر الذي ينعكس بدوره على عديد من دول العالم، بخلاف الدول التي يشملها الممر.
ويهدف المشروع الذي تشارك به المملكة إلى إنشاء خطوط للسكك الحديدية، وربط الموانئ البحرية، لتعزيز التبادل التجاري وتسهيل مرور البضائع، وكذلك تيسير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب، من أجل تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة.
كما تهدف الرياض من خلال المشروع، إلى المشاركة في تنمية الاقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية، ويتألف المشروع من ممرين منفصلين، هما: "الممر الشرقي" الذي يربط الهند مع الخليج العربي و"الممر الشمالي" الذي يربط الخليج بأوروبا، وتشمل الممرات سكة حديد ستشكل بعد إنشائها شبكة عابرة للحدود من السفن إلى السكك الحديدية لتكملة طرق النقل البرية والبحرية القائمة لتمكين مرور السلع والخدمات.
وسيعزز المشروع المنافسة ويتيح فرصا وطرقا أوسع، بما يعزز من ديناميكية الاقتصاد العالمي، من خلال شبكة عبور وطرق شحن منوعة ما بين السفن والسكك الحديدية، علاوة على شبكات الطرق الموجودة بالفعل، وسيكون هناك توسع كبير في القدرات، ويتم التخطيط لتطبيقات التكنولوجيا الرقمية الحديثة في جميع القطاعات الحالية.
كما سينمي المشروع النمو الاقتصادي ويساعد على جمع دول الشرق الأوسط، لترسيخ المنطقة كمركز للنشاط الاقتصادي بدلا من أن تكون مصدرا للتحدي أو الصراع أو الأزمة كما كانت في التاريخ الحديث.
فكرة المشروع الطموحة والمختلفة نسبيا عن غيره من المشاريع الطموحة أنه قائم على فكرة التكامل الاقتصادي الإقليمي، باعتباره جزء من الشراكة المرتبطة بالاستثمار العالمي بالبنية التحتية، ومن المخطط أن يكون مجمل استثماراته في عام 2027 بمبلغ 600 مليار دولار.
ويركز المشروع على قطاعات تعالج أزمة التغير المناخي، من خلال تبادل نقل منتجات الطاقة الجديدة، التي ستكون أحد أهم ركائزه، حيث يتضمن المشروع كابل بيانات عالي السرعة وكابل لنقل الكهرباء وخط أنابيب هيدروجين، وهي عناصر لها أهميتها الفائقة في الفكر الاستراتيجي لدول أوروبا، التي تعيش حالة من الصدمة، بسبب انقطاع إمدادات الغاز الروسي على خلفية حرب أوكرانيا.
ولادة المشروع كانت منذ يوليو من العام الماضي، حيث تحدث الرئيس بايدن عن الحاجة إلى مزيد من التكامل الاقتصادي الإقليمي من دون أن يفصح عن شيء، وفي يناير الماضي، بدأ البيت الأبيض بإجراء محادثات مع الشركاء الإقليميين، حول هذا الطرح، وبحلول الربيع، كانت تتم صياغة الخرائط والتقييمات المكتوبة للبنية التحتية الحالية للسكك الحديدية في الشرق الأوسط.
وفيما يتعلق بالجدول الزمني للمشروع لم يتم تحديده حتى الآن، ولم تقدم أي تفاصيل عن تكلفة المشروع أو تمويله، إلا إن وضع جدول زمني تقريبي للمشروع سيكون خلال العام المقبل، وفي الـ60 يوما المقبلة، ستقوم مجموعات عمل بوضع خطة، لتحديد جداول زمنية.
وستتضمن المرحلة الأولى تحديد المجالات التي تحتاج إلى الاستثمار، لربط البنية التحتية المادية بين الدول، بما يمكن الدول المشاركة من وضع الخطط التنفيذية خلال العام المقبل حتى يتمكن المشروع من الانتقال إلى التنفيذ الفعلي.
بدوره، أشار مسؤول أمريكي في إدارة الرئيس بايدن إلى أن المشروع سيمكن الدول المشاركة فيه من نقل المنتجات والسلع من جنوب شرق آسيا من فيتنام عبر الهند، وكل الهند عبر الشرق الأوسط إلى أوروبا، ما يجعل الأمر أسرع من الشحن بكفاءة أكبر من حيث التكلفة، لأنه أرخص وأقل ضررا على البيئة.
بدورها، قالت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية: إن المشروع "سيجعل التجارة بين الهند وأوروبا أسرع بنسبة 40 في المائة".
يمثل مشروع الممر الاقتصادي فكرة طموحة للغاية تنطوي على مكاسب لجميع الأطراف المشاركة فيه، ويمكن لها فعليا أن ترسم خريطة جيواستراتيجية جديدة للتحالفات، حيث تتشابك مصالح الأطراف المشاركة بدرجة أكبر عن ذي قبل، ما ينعكس بدوره على سياساتها وتوجهاتها إقليميا ودوليا.

الأكثر قراءة