الصناعات العسكرية .. جائزة للابتكار والتنافسية
التقدم اليوم أصبح مرهونا بالابتكار، وكذلك التطور الصناعي لأي دولة وامتلاكها له هو مظهر من مظاهر قوتها وسيادتها، وتنوع الصناعات بشكل عام وتطويرها يتم بشكل سريع ومتنام، وهناك تنافس كبير بين الشركات العالمية الكبرى في كسب قصب السبق في ذلك، وتطرقت في مقال سابق إلى أن الحلول الابتكارية النوعية لعبت دورا كبيرا في ذلك، خاصة في قطاع الصناعات العسكرية، ما أدى إلى تطورها وزيادة كفاءتها من خلال البحث والتطوير والابتكار، حيث أصبح الابتكار في هذا المجال جزءا أساسيا من استراتيجياتها، وأصبح هناك تنافس قوي بين الدول العظمى لاحتلال عرش الصدارة في ذلك والتربع عليه. وأشرت إلى أن السعودية لديها عديد من الخطط الاستراتيجية لتطوير صناعاتها العسكرية محليا وتوطينها، من خلال بناء وتمكين القدرات والكفاءات الوطنية، ونشر ثقافة الابتكار في جميع الأوساط وتشجيع المبتكرين والباحثين والمهتمين في هذا المجال بعدة طرق، من ذلك على سبيل المثال، الجوائز التحفيزية، مثل جائزة الابتكار في الصناعات العسكرية، وفي هذا المقال سأتحدث عنها بشيء من التفصيل، وعن أهدافها المرجوة منها، وكيفية إسهامها في تعزيز القدرات الوطنية محليا الذي ينعكس بالإيجاب على مستوى الاقتصاد الوطني.
في الجانب الدولي هناك عديد من الجوائز للتميز في الابتكار بمختلف فروعه، ومن ذلك جوائز التميز في الابتكار العسكري، التي هدفها هو تحفيز المبتكرين والمخترعين على تقديم أفكار وحلول مبتكرة، ما يسهم في تطوير التكنولوجيا العسكرية وجعلها أكثر دقة وفاعلية وإتقانا، وهي تمنح سواء على مستوى الأفراد أو المجموعات أو المنشآت التي تقدم حلولا ابتكارية نوعية في مختلف المجالات، من بين هذه الجوائز، جائزة ديكسون للابتكار في الولايات المتحدة، التي تمنح للفرد أو المجموعة التي تقدم مساهمة استثنائية في مجال الابتكار بشكل عام، وجائزة ويليام جورج، أيضا في الولايات المتحدة، وهي تمنح لمن قدم مساهمات استثنائية ونوعية في مجال الابتكار في مجال العلوم والهندسة، وجائزة المنتدى الاقتصادي العالمي لرواد التكنولوجيا، التي تمنح لمن قدم حلولا مبتكرة في مجال التكنولوجيا والتصنيع، وجائزة التصميم الصناعي الريد دوت التي تعد واحدة من أهم جوائز التصميم والابتكار في مجال الصناعة وتمنح سنويا في ألمانيا، ويتم في هذه الجائزة تكريم التصاميم المبتكرة والمتميزة في الفئات الصناعية المختلفة، وأيضا من الأمثلة جائزة جيمس دايسون التي تمنح لأي ابتكار نوعي في مجال التصميم الهندسي على مستوى المملكة المتحدة، ومن الأمثلة أيضا جائزة الملكة اليزابيث للهندسة، وعديد من الجوائز على مستوى الأفراد أو الشركات الناشئة وغيرها، حيث تسهم كل هذه الأنواع المختلفة من الجوائز في تحفيز المبتكرين والمخترعين على تقديم أفكار وحلول مبتكرة، ما يؤدي إلى تطوير العلوم والتكنولوجيا والصناعة وجعلها أكثر فائدة للبشرية بشكل عام.
وجائزة الابتكار في الصناعات العسكرية هي جائزة وطنية سعودية تمنح للأفراد من المواطنين والمقيمين الذين يقدمون حلولا مبتكرة في مجال الصناعات العسكرية، أطلقتها الهيئة العامة للصناعات العسكرية في 2023، بالشراكة مع عدد من الجهات الحكومية والخاصة، مثل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، والهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وهيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار، والهيئة العامة للتطوير الدفاعي، والشركة السعودية للصناعات العسكرية "سامي"، بهدف تحفيز وتشجيع الابتكار في قطاع الصناعات العسكرية، ولدعم التوطين، والتنمية في هذا القطاع الحيوي، التي تتم من خلال نشر الثقافة الابتكارية. وتستهدف الجائزة مجالات ابتكارية في صناعات عسكرية متعددة ومنها، أنظمة الكهروبصريات والأشعة تحت الحمراء، والحرب الإلكترونية والطاقة الموجهة، وأنظمة الرادارات، والإشارات والاتصالات الراديوية، ومنظومة الأمن السيبراني، والأسلحة الكهرومغناطيسية، وأنظمة الأسلحة والتجهيزات العسكرية، وتشمل الأفراد والمجموعات والمؤسسات، ووضع لهذه الابتكارات المقدمة عدد من الشروط المهمة كأن أن يكون لها قيمة مضافة وقابلة للتطبيق والتنفيذ، ولها جدوى اقتصادية، ولا شك أنه لا بد من أن يكون لها أثر إيجابي واضح في المجال الدفاعي والعسكري، ومثل هذه الجوائز التحفيزية، تعد إحدى الخطوات المهمة في تعزيز الابتكار في قطاع الصناعات العسكرية، فهي تسهم في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، التي تسعى إلى توطين ما يزيد على 50 في المائة من الإنفاق العسكري لديها، كما تسهم أيضا في نشر ثقافة الابتكار بين فئات المجتمع، ودعم المبتكرين والمبدعين والموهوبين في مجال الصناعات العسكرية. وأرى أن مثل هذه المبادرات والجوائز ستسهم في تطوير وتحسين المنتجات والخدمات العسكرية وتعزز القدرة التنافسية وتوجد فرص عمل جديدة، إضافة إلى الهدف الأسمى، وهو المساهمة في تحقيق الأمن والدفاع الوطنيين، وتعد أيضا فرصة حقيقة لرواد ولرجال الأعمال من القياديين والمستثمرين لاستقطاب الأفكار المميزة التي سيتم عرضها، والاستفادة منها في إيجاد شركات صناعية عسكرية بأياد وطنية ذات قدرات ابتكارية نوعية مميزة في صنع منتجات محلية عالية الجودة تنطلق نحو العالمية، وألا يكون حد هذه الفعاليات هو مجرد الإعلان عن الفائزين والحصول على الجائزة فقط، وبالتالي ستحقق جميع الأهداف المرجوة من ذلك والتي تصب في مصلحة الوطن.