صندوق النقد والبنك الدوليان .. فائض في المشكلات وشح في الحلول

صندوق النقد والبنك الدوليان .. فائض في المشكلات وشح في الحلول
صندوق النقد والبنك الدوليان .. فائض في المشكلات وشح في الحلول

احتضنت مدينة مراكش على مدار أسبوع كامل من التاسع حتى 15 أكتوبر الجاري، الاجتماع السنوي لصندوق النقد والبنك الدوليين، في أول اجتماع من نوعه للمؤسستين الماليتين العالميتين في القارة الإفريقية منذ 50 عاما، إذ سبق لكينيا أن استضافت هذا الحدث في 1973. يشارك في الاجتماع مندوبون عن 189 بلدا عضوا في المؤسستين، يتقدمهم وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية ورؤساء شركات كبرى لمناقشة أحدث التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي.
كانت أجندة الاجتماعات حافلة بشكل جد مكثف، ما بين القضايا الرئيسة ومواضيع الجلسات الموازية، فناقش الحضور مستحدث المسائل على الساحة الدولية، بدءا من تغير المناخ والأمن الغذائي وصولا إلى التجارة الدولية وتكنولوجيا الخدمات المالية، مرورا بالمساواة بين الجنسين ومعضلة الديون وتطورات الرقمنة وتكنولوجيا الخدمات المالية والتنمية العالمية، وما استجد من قضايا في السياسة والاقتصاد على مسرح الأحداث في العالم.

إطلالة سريعة على العناوين تكفي لإدراك غنى وتنوع المواضيع، فاجتماع يناقش "النمو الغني بفرص العمل: الحل الأمثل للفقر"، ويتناول آخر "إرساء الأسس لمستقبل رقمي شامل للجميع"، وثالث يقدم ما يشبه "دليل جديد للتعامل مع الأوقات الصعبة"، ورابع يبحث في سبل "تسخير الاستثمار والتمويل المؤسسي لمصلحة التنمية"، وخامس يبسط القول في "إشراق النساء في القيادة"، وسادس ينظر في سبل الاستفادة من العنصر البشري "إيجاد مزيد من الوظائف عن طريق الاستثمار في رأس المال البشري"... وهلم جرا من القضايا الساخنة التي تؤرق بال السياسة ورجال الأعمال معا.

ويؤثر اضطراب السياق الدولي في الاجتماع، فالأوضاع الاقتصادية على الصعيد العالمي بلغت مستوى من الشك والالتباس غير مسبوق، ولا سيما مسألة الديون السيادية التي وصلت إلى مراحل خطرة بالنسبة إلى الدول المتقدمة والصاعدة والنامية على حد سواء، حتى قيل إن مراكش تحتضن اجتماع المؤسستين الماليتين خوفا من زلزال يهز الاقتصاد العالمي، على غرار الزلزال الطبيعي الذي ضرب نواحي مدينة مراكش في الثامن من سبتمبر الماضي.
استرعت أجندة الخميس الأنظار الجميع، مشاركين ومتابعين وإعلاميين، لتطرقها لموضوع الساعة، فعنوان اجتماع كان "أولويات الإصلاح من أجل معالجة الديون"، فالحضور يتطلع إلى أجوبة أو حلول لشبح الديون الذي يضع الاقتصاد العالمي في خطر. فالدين العالمي، وفق توقعات معهد التمويل الدولي، سيرتفع خلال العام الجاري إلى 307 تريليونات دولار، بعدما شهد النصف الأول وحده زيادة قدرها عشرة تريليونات دولار. فضلا عن العشرية الأخيرة التي عرفتها بدورها ارتفاعا بقيمة 100 تريليون دولار.

الإجماع قائم بين خبراء الاقتصاد على أن الدين بات متربصا باقتصادات جل الدول، يبقى الفارق في الدرجة فقط. فهو معضلة شائكة في الولايات المتحدة واليابان والصين ودول عدة في النادي الأوروبي، وارتقى إلى مستوى الأزمة الحادة في دول مثل لبنان والأرجنتين وسريلانكا... وبلغ درجة الخطورة التي تهدد بشل الاقتصاد في دول أخرى كتونس ومصر والأردن... واستهلت مديرة صندوق النقد الدولي اللقاء بإحاطة الحضور علما بأن زامبيا توصلت مع دائنيها إلى اتفاق نهائي لإعادة هيكلة ديونها، في صفقة طال انتظارها.

أضحى العالم أسير فكرة إعادة هيكلة الديون التي تبقى مخرجا ينظر إليه كحل وحيد، بعدما صار الوضع التمويلي لعديد من الدول مأزوما من الجهتين، أي البحث عن تمويلات جديدة أو الحاجة إلى سداد أعباء الديون من أقساط وفوائد. رغم ما يتهدده من مخاطر، ولا سميا مشكلة اتساع سوق الدائنين، فنادي باريس الذي احتكر هذه المهمة ردحا من الزمن، لم يعد الجهة الوحيدة المنوط بها هذا الدور اليوم.

ما سبق فرض البحث عن حلول مبتكرة من شأنها إخراج الاقتصاد العالمي من دوامة التكرارية، وجاءت مداخلة محمد الجدعان وزير المالية في الجلسة الخاصة بمأزق الديون استثنائية، في هذا السياق حين قدم الرجل منظورا آخر للموضوع، يمكن عده كسرا للأطر التقليدية بالتفكير خارج الصندوق، حيث أوضح أن دعم الدول الفقيرة "ليس عملا خيريا"، فهو يجنب العالم تبعات وأزمات اقتصادية كبرى.

وطالب الحاضرين بتوسيع أفق التفكير عند مقاربة الأزمة، فضلا عن السعي وراء حلول إبداعية، فحث على تشخيص الحالات، مؤكدا أنه "لا يجب أن نقلل من قيمة وأهمية المساعدات التخصصية"، مشيرا إلى اقتناعه التام بأهمية فكرة "تحويل البنوك إلى بنوك معرفة والانتقال بشكل سريع إلى تقديم مساعدات تخصصية ومصممة وفقا لاحتياجات الدول بحيث تساعدهم على كيفية التعامل مع قضايا الديون والتمويل الجديد".

حلول مبتكرة على صناع القرار الاقتصادي العالمي التفكير على منوالها حتى يحفظوا لمؤسساتهم بعضا من المصداقية، في وجه أصوات المنظمات غير الحكومية التي تتزايد مطالبة المؤسستين الماليتين العالميتين بحلول أخرى غير هذه المدفوعة بهاجس التقشف، ما يوسع من حجم الهوة بين الأغنياء والفقراء.

فأرقام هذه المنظمات تؤكد بأن 57 في المائة من أفقر دول العالم مضطرة إلى خفض الإنفاق العام، برقم إجمالي يصل إلى 229 مليار دولار خلال الأعوام الخمسة المقبلة. وذهبت أصوات من زمرة المنتقدين حد توجيه اتهام مباشر بالقول: "يعود البنك وصندوق النقد الدوليين إلى إفريقيا للمرة الأولى منذ عقود مع الرسالة الفاشلة نفسها".

الأكثر قراءة