هل يتحمل العالم مزيدا من الصراعات؟

مفهوم التوتر والصراعات العالمية لا يزال يلقي بظلاله على الاقتصاد العالمي. يمكن أن تكون تداعيات هذه الصراعات، خاصة الحروب، كارثية على الاقتصاد العالمي، وتتضمن مظاهره، مثل ارتفاع الأسعار والتضخم، ما يؤدي إلى تأثير متسارع يطول شعوب العالم على نحو شبيه بالأمواج التي تمتد إلى أقاصي العالم، حتى الأماكن التي تبعد عن مناطق الصراعات.
الطاقة والنفط من بين الموارد الحيوية التي تستجيب بسرعة لأحداث العالم. عادة يكون ارتفاع أسعار النفط نتيجة للصراعات والطلب، وليس سببا لها، وهذا يظهر أهمية استقرار المناطق المنتجة للنفط. إذا استمرت الأحداث الحالية، فإننا قد نشهد ارتفاعا يصل إلى 150 دولارا للبرميل، وزيادة بنسبة 70 في المائة عن الأسعار الحالية. وهذا سيكون له تأثير واضح في الاقتصاد العالمي.
من الممكن أن نتصور سيناريو أسوأ، وهو تصاعد الصراعات في مناطق متعددة، مع استخدام العقوبات كأداة حرب. ذلك سيؤدي إلى ظهور أزمات اقتصادية جديدة متبادلة، حيث ستقوم الدول بفرض عقوبات اقتصادية على بعضها بعضا، ما يؤدي إلى تراجع الاقتصاد العالمي، وقلة قدرة السياسات الاقتصادية على التحكم في النمو الاقتصادي.
هذا يعني أن زيادة العوامل المؤثرة في الاقتصاد العالمي ستجعله أقل قدرة على التكيف مع التحديات، وبالتالي سيتلاشى تقدم العالم الذي تم تحقيقه خلال العقود الماضية في مجال معدلات الفقر وزيادة الثروة وتحسين مؤشرات الموارد البشرية التي تتم مراقبتها من قبل مؤسسات الأمم المتحدة.
تأثير الصراعات الجيوسياسية لن يكون محدودا بالسلبيات الاقتصادية فقط، بل سيؤثر أيضا في دقة البيانات الاقتصادية والتجارية، ما يجعل من التنبؤ بالتطورات المستقبلية أمرا صعبا. وهذا ما يظهره انخفاض توقعات صندوق النقد الدولي مع حدوث كل أزمة جديدة. إذا استمرت التوترات في منطقة الشرق الأوسط في التصاعد، فستشهد التقارير القادمة من الصندوق تخفيضات إضافية في توقعاته للعالم والمنطقة.
من الناحية الأخرى، يتوقع أن تشهد السياسات النقدية تشديدا إضافيا في حال تصاعدت الأحداث في الشرق الأوسط. هذا سيؤدي إلى عدم توازن أوضاع المالية في أوروبا والولايات المتحدة، ما يعني ارتفاعا في أسعار السلع الأولية وأسعار الفائدة إلى مستويات قياسية، ولا سيما أن تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية لا تزال تؤثر بشكل مستمر في الاقتصاد الأوروبي.
في النهاية، يجب أن ندرك أن العالم لا يمكنه تحمل مزيد من الصراعات، خاصة في منطقة مثل الشرق الأوسط التي تحمل تأثيرات اقتصادية عالمية. لذلك، يصبح الالتزام بالقانون الدولي والمسؤولية المشتركة للأمان والسلم الدولي أمرا ضروريا. وأكدت المملكة على هذا الجانب، مطالبة بالامتناع عن تعطيل البنية التحتية في غزة، والالتزام بالقوانين الإنسانية الدولية، ورفع الحصار عن القطاع. هذه الرسالة تعكس تحذيرا من التداعيات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تقع وتطول الاقتصاد العالمي الهش، خاصة في هذا القرن الذي ينبغي أن يكون عصرا للتقدم التقني والمعرفي والتعاون المشترك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي