قمة «التعاون» و«آسيان» .. تكتلات فاعلة لمستقبل أفضل
اختتمت القمة المشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي، ورابطة جنوب شرق آسيا (آسيان)، في الرياض، أخيرا، بالتأكيد على رفض استهداف المدنيين بأي شكل وتحت أي ذريعة، وصدر عن القمة بيانان ختاميان، على عكس أي قمة أخرى سابقة، حيث إن القمة كان مخططا لها سابقا، وتزامنت مع الأحداث الدامية التي تشهدها الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة.
وعقدت القمة في إطار رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، على بناء شراكة استراتيجية بين دول مجلس التعاون ودول رابطة آسيان، ورفع مستوى التنسيق بينها حيال الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك، ولتفعيل الشراكات الاستراتيجية لمجلس التعاون إقليميا وعالميا، بما يعود بالنفع على مواطني دول المجلس وعلى المنطقة.
وتكمن أهمية القمة الخليجية مع رابطة دول آسيان في كونها الأولى من نوعها على مستوى قادة الدول، وأنها تعكس انفتاح دول مجلس التعاون، وعلى رأسها المملكة، على الشراكات مع التكتلات الفاعلة في المجتمع الدولي، بهدف تعزيز مكانة مجلس التعاون لدول الخليج العربية عالميا.
وتهدف القمة إلى اعتماد إطار التعاون المشترك للأعوام الخمسة المقبلة 2024 - 2028، الذي يشمل التعاون السياسي والأمني، والاقتصادي والاستثماري، إضافة إلى التعاون في مجالات السياحة، والطاقة، والأمن الغذائي والزراعي، والتعاون الاجتماعي والثقافي.
بدوره، أكد رئيس القمة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في كلمته خلال القمة المشتركة، بحضور الزعماء والقادة لـ16 دولة خليجية وآسيوية، الرفض القاطع لاستهداف المدنيين في غزة بأي شكل وتحت أي ذريعة، مشددا على أهمية الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، وضرورة وقف العمليات العسكرية، وتهيئة الظروف لعودة الاستقرار وتحقيق السلام الدائم.
وقال ولي العهد لضيوفه القادة المشاركين في القمة: "يؤلمنا ما تشهده غزة من عنف متصاعد، يدفع ثمنه المدنيون الأبرياء، ونؤكد رفضنا القاطع لاستهداف المدنيين بأي شكل من الأشكال وتحت أي ذريعة".
وأضاف "كما نؤكد على أهمية التزام القانون الدولي الإنساني، وضرورة وقف العمليات العسكرية ضد المدنيين والبنى التحتية التي تمس حياتهم اليومية، وتهيئة الظروف لعودة الاستقرار، وتحقيق السلام الدائم الذي يكفل الوصول إلى حل عادل لإقامة دولة فلسطينية وفق حدود 1967 بما يحقق الأمن والازدهار للجميع".
وتأكيدا على رفض العنف، أدانت القمة في بيانها الختامي، المتعلق بالأحداث الجارية، جميع الهجمات ضد المدنيين، وحثت جميع الأطراف المعنية على العمل من أجل التوصل إلى حل سلمي للصراع، وفقا لحل الدولتين على أساس حدود ما قبل 4 يونيو 1967 بموجب القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن.
ودعت القمة في بيانها الختامي جميع الأطراف المعنية، إلى وقف دائم لإطلاق النار، وضمان وصول المساعدات الإنسانية وإمدادات الإغاثة، وغيرها من الضروريات والخدمات الأساسية بأعلى قدر من الفعالية والكفاءة، إضافة إلى استعادة الكهرباء والماء، والسماح بإيصال الوقود والغذاء والدواء دون معوقات إلى جميع أنحاء قطاع غزة المحاصر.
كما طالب بيان القمة جميع أطراف النزاع بحماية المدنيين والامتناع عن استهدافهم والالتزام بالقانون الدولي الإنساني، خصوصا مبادئ وأحكام اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، مطالبا بالإفراج الفوري غير المشروط عن الرهائن والمعتقلين المدنيين، خاصة النساء والأطفال والمرضى وكبار السن.
وأكد البيان الختامي دعم مبادرة السعودية والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية لإحياء عملية السلام في الشرق الأوسط، بالتعاون مع مصر والأردن، وحل النزاع بين إسرائيل وجيرانها، وفقا للقانون الدولي وجميع قرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة بهذا الصراع.
الطاقة
فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي للقمة، وتحديدا قطاع الطاقة، أكد الأمير محمد بن سلمان، أن المملكة والدول المشاركة في القمة مصدر آمن وموثوق للطاقة في مختلف مصادرها، وفي الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية، من خلال سعيها بخطوات متسارعة إلى تحقيق متطلبات الاستدامة لتطوير تقنيات طاقة منخفضة الكربون وسلاسل إمداد البتروكيماويات.
وعبر ولي العهد عن تطلعاته لتحقيق أقصى استفادة مشتركة من الموارد اللوجستية والبنى التحتية وتعزيز التعاون في المجالات السياحية والأنشطة الثقافية والتواصل بين الشعوب، بإقامة شراكات متنوعة بين قطاع الأعمال في الدول، بما يحقق مستهدف الرؤى الطموحة لمستقبل أفضل يسوده الازدهار والنماء والتقدم.
وعلى هامش القمة، وقع الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، والدكتور تان سي لينج وزير القوى العاملة الوزير السنغافوري الثاني للتجارة والصناعة، خريطة طريق للتعاون في مجال الطاقة بين البلدين، في إطار مذكرة تفاهم أبرمت أواخر عام 2021.
وتهدف الخريطة إلى تعزيز التعاون بين الطرفين في مجالات الطاقة المتجددة، والحلول والتقنيات منخفضة الكربون، والهيدروجين النظيف، واستخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه، وتعزيز كفاءة الطاقة وترشيد استهلاكها، والابتكار في إزالة الكربون.
العمل المشترك
دشنت القمة خطة عمل مشتركة للفترة 2024 – 2028، حيث يبلغ ناتج الدول المحلي المشاركة في القمة نحو خمسة تريليونات دولار يقابله أقوى اقتصادات في منطقة الشرق الأوسط، وتهدف القمة إلى تمتين وتطوير العلاقة الاقتصادية والثقافية والسياسية والأمنية مع دول آسيان.
كما بلغ حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون ودول رابطة الآسيان نحو 93.9 مليار دولار عام 2019م، لتسجل قيمة صادرات السلع نحو 60.9 مليار دولار، فيما بلغت حصيلة الواردات السلعية نحو 33 مليار دولار، فيما بلغ حجم الصادرات النفطية بنحو 44.5 مليار دولار خلال عام 2019، تأتي بعدها المنتجات البلاستيكية ومنتجاتها الصناعية بنسبة 8.7 في المائة، وبحصيلة بلغت نحو 5.3 مليار دولار، تلاها الذهب والمعادن الثمينة بنسبة 3.8 في المائة، وبحصيلة بلغت 2.3 مليار دولار.
وخلال القمة، اقترح رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم، إبرام اتفاقية للتجارة الحرة بين رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" ومجلس التعاون الخليجي، وأن مثل هذا الاتفاق سيكون الأول من نوعه بين "آسيان" ودول الخليج، قائلا: "هذه الاتفاقية ضرورية لتعزيز النمو التدريجي والشامل والمستدام، خاصة أننا نتعافى من جائحة كوفيد - 19 ونواجه حالة من الغموض الجيوسياسي".