الرياضات الإلكترونية .. بطولات المستقبل «ثروة» بالمليارات
مرت الثواني كالدهر، بين ثانية وأخرى ينظر إلى الهاتف منتظرا اتصالا محددا، ويتأمل الباب آملا أن تدلف منه مساعدته لتخبره بما يريد، لم يصدق نفسه حين أكدوا له نجاح إطلاق أول قمر اصطناعي أمريكي الذي سيعرف حينها باسم "إكسبلورر"، شعر أيزنهاور رئيس الولايات المتحدة وقتها أنه نجح في السباق المحموم ضد الاتحاد السوفياتي الذي سبق أن أطلق قمرين اصطناعيين في 1957، وها هي واشنطن تلحق به بعد عام واحد فقط.
في غمرة هذا الصراع الشرس، لم يكن غريبا أن تطلق شركة "أنالوج كمبيوترز" في 1962 لعبة "سبيس وار"، والتي ترتكز في فكرتها على بيئة تخيلية لعالم الفضاء، وبصرف النظر هل قصدت بذلك دعم الحلم الأمريكي من خلال تحفيز الأطفال له، أم أن الأمر مجرد مصادفة، فالحقيقة الأكيدة أنها بذلك وضعت أول لبنة رئيسة في صناعة الألعاب الإلكترونية.
لم يكن الازدهار سريعا، فبعد عشرة أعوام، وبالتحديد في 27 يونيو 1972 حين أسس نولان بوشنيل وتيد دابني شركتهما التي حملت اسم "أتاري" لم يتوقع أحد أن تكون الشركة الوليدة هي صاحبة الطفرة في هذا القطاع بإنتاجها لعبة "أتاري 2600" التي حققت انتشارا مذهلا أدى إلى تصنيف الشركة كأكثر مؤسسة نموا في سبعينيات القرن الماضي، وبدلا من استغلال الشركات المنافسة لهذا النجاح وطرح ألعاب مواكبة للتطور، حدث العكس، امتلأت السوق بألعاب رديئة ومتشابهة، ما أدى إلى انهيار السوق في 1983 في حدث عرف حينها بـ"صدمة الأتاري".
فبعد أن وصلت الأرباح لقطاع ألعاب الفيديو إلى 3.2 مليار دولار في 1983 انخفضت إلى 100 مليون دولار فقط بحلول 1985، أي خسارة بنسبة تقارب 97 في المائة، ما أدى إلى إفلاس عديد من الشركات وانهيار الصناعة الوليدة، والأهم أنه وضع كلمة النهاية على الجيل الثاني من أنظمة ألعاب الفيديو.
بعد عامين من هذا الانهيار، أي في 1985 تولت اليابان مهمة الإنقاذ بجهاز "نينتندو إنترتينمنت" الذي يعد بداية الجيل الثالث من أجهزة ألعاب الفيديو، الذي حمل إمكانات حديثة مكنته من الانتشار لدرجة أوصلت مبيعاته إلى 60 مليون جهاز حول العالم في عامين فقط، ومن خلاله عرفنا ألعابا مثل "سوبر ماريو " التي بيعت 40 مليون نسخة منها.
لم تنهر سوق ألعاب الفيديو من بعدها، ومع بداية التسعينيات وتحديدا في الثامن من يوليو 1991 تم اعتماد هذا التاريخ كيوم عالمي لألعاب الفيديو، وبعيدا عن محاولات بعض الدول استغلال هذا المارد في التسويق لسياستها من خلال إنتاج ألعاب تحمل رؤى بعينها، لكن ذلك لم يؤثر في السوق التي كانت على موعد مع طفرة أخرى حين استغلت شركة "كونامي" اليابانية رواج كأس العالم 1998 في فرنسا، لتصدر لعبتها التي عرفت بـ"اليابانية"، وهي لعبة كرة القدم إلكترونية، ورغم أن شركة "إي أيه سبورتس" سبقتها في إنتاج سلسلة فيفا لكن النجاح كان من نصيب كونامي التي باعت أكثر من 20 مليون نسخة حول العالم في عام الإنتاج نفسه، ثم استمر التطور لعشاق الساحرة المستديرة.
خلال العقد الأول من الألفية الثانية، وتحديدا بعد 2011 لم نعد نتحدث عن ألعاب فيديو فقط، بل صناعة دخلت فيها أكبر الشركات متعددة الجنسيات، بداية من مايكروسوفت وأبل ووصولا إلى تنسنت وجوجل، ولأن مصائب قوم عند قوم فوائد، كان فيروس كورونا الذي أجبر الناس على الجلوس في منازلهم، عاملا جديدا لازدهار قطاع الألعاب الرياضية، إذ ارتفع إنفاق المستهلكين عليه خلال 2020 بنسبة 32 في المائة مقارنة بالعام الذي سبقه، وحققت ألعاب مثل "حدائق السحاب" و"تاونسكيبر" أرباحا فلكية.
ورغم زوال خطر فيروس كورونا وعودة الناس لاستئناف حياتهم اليومية، ظلت الألعاب الإلكترونية محافظة على نموها المتزايد، ونظرة واحدة على هذه السوق في 2023 تؤكد ذلك، فبحسب الأرقام الرسمية هناك ثلاثة مليارات لاعب لتلك الألعاب حول العالم، منهم 699 مليون لاعب فقط في الصين، و210 ملايين لاعب في أمريكا، أما الإيرادات فوصلت إلى 197 مليار دولار، مع توقعات أن تصل إلى 214 مليار دولار في 2026.
عربيا لم تكن هناك دولة تستشرف المستقبل مثل السعودية التي تحتضن 23 مليون لاعب للرياضات الإلكترونية، ومبكرا أدركت المملكة قيمة هذه السوق فعملت على أن تضع موطئ قدم لها بين نادي الكبار، وبدا هذا واضحا بإطلاق الدوري السعودي الإلكتروني في 2022 وهي بطولة لم تقتصر فقط على كرة القدم، بل ضمت جميع الألعاب الأخرى، ووصلت جوائزها إلى خمسة ملايين ريال فاز بها 40 متنافسا، أما موسم "الجيمرز" الذي تم إطلاقه في العام نفسه أيضا شارك فيه 113 فريقا فقد وصلت قيمة جوائزه إلى 15 مليون دولار.
لكن الأهم من ذلك، أن السعودية هي الدولة الوحيدة التي طورت سوق الرياضات الإلكترونية في سياق استراتيجية واضحة وليس لمجرد الكسب المالي فقط، فاستهدفت من هذا المجال تنمية القطاع السياحي وتعزيز التنمية المستدامة، إضافة إلى إيجاد فرص وظيفية وتنويع مصادر الاقتصاد، ولذلك لم يكن غريبا أن تقرر استثمار 142 مليار ريال حتى 2030 في هذا المجال، ولذلك أيضا لم يكن غريبا أن تكون هي أول دولة تطلق كأس عالم للرياضات الإلكترونية بداية من 2024، كما أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منذ أيام في احتفالية عالمية حضرها إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، والأسطورة البرتغالي كريستيانو رونالدو، نجم النصر، وآخرون من الشخصيات الرائدة في هذا القطاع، كما أعلن إنشاء مؤسسة كأس العالم للرياضات الإلكترونية وهي غير ربحية ستتولى تنظيم "بطولة المستقبل".
ولي العهد أكد في كلمته أيضا أن تلك البطولة ستكون تجربة لا مثيل لها، وأن السعودية ستصبح مركزا عالميا رياضيا في 2030، ولا يبدو ذلك بعيدا في ظل الخطوات التي اتخذتها المملكة، لكن السؤال الآن، هل يشحذ لاعبو المملكة الهمة من أجل اقتناص الجوائز في المسابقة الأكبر في تاريخ اللعبة لنرى أبطالا جددا، أم يثبت مساعد الدوسري أنه "الكبير" بتتويج جديد كما حدث في 2017 و2018 حين فاز ببطولة العالم للألعاب الإلكترونية في لعبة فيفا؟