النفايات الإلكترونية مشكلة متفاقمة
تشكل النفايات الإلكترونية المتزايدة حول العالم، قلقا لا يتوقف من مختلف النواحي. هذه النفايات التي يرتفع حجمها بزيادة عدد المستهلكين للأجهزة التي تحتويها، تمثل مخاطر جمة، على الصحة العامة والبيئة، إضافة إلى أنها يمكن أن توفر عوائد مالية في حال وصولها إلى الجهات المعنية، ستسهم حتما في خفض أسعار السلع الإلكترونية عموما التي تدخل في تركيبتها. هذا الموضوع ليس جديدا، لكنه وصل إلى مستويات ترفع من حدة المخاوف، خصوصا في ظل عدم وجود تعاون دولي مباشر في الحد من انتشار النفايات، وفي العمل على نشر التوعية في أوساط الناس، أو بمعنى نشر "التثقيف" الاستهلاكي للأجهزة الإلكترونية عموما. وفي العقدين الماضيين، بات استبدال أجهزة إلكترونية أكبر بكثير من إصلاحها. وفي بعض الدول تقترب أحيانا تكاليف الإصلاح، من ثمن القطعة الجديدة.
النفايات الإلكترونية بحد ذاتها لها قيمة عالية. فهي تحتوي على معادن ومواد أولية ثمينة، مثل الليثيوم والذهب والفضة والنحاس، وكلها مواد أساسية في صناعة الأجهزة ذات الصلة. ووفق تقرير أخير للمنتدى الاقتصادي العالمي، فإن المستهلكين يرمون أو يمتلكون سلعا إلكترونية تالفة تحتوي على مواد خام ضرورية للطاقة الخضراء تبلغ قيمتها عشرة مليارات دولار. والمشكلة هنا، أن النسبة الأكبر من هؤلاء المستهلكين لا تعرف قيمة ما تملك أو ما تتخلص منه بطرق غير سليمة من هذه الأجهزة. حتى في المجتمعات التي حققت تقدما ملموسا على صعيد التوعية على هذا الصعيد، تعاني ارتفاع حجم النفايات الإلكترونية بصورة لا تتناسب حتى مع برامج التوعية. إلى درجة أن بعض هذه المجتمعات يمنع التخلص من المصابيح الكهربائية العادية والبطاريات في القمامة المنزلية.
هذا يدل على أن الأمر في المجتمعات التي لا تهتم بهذه المسألة، لا قيمة له. واللافت حقا، أن العالم ينتج 50 مليون طن متري من النفايات الإلكترونية كل عام، لكن لا تتم إعادة تدوير إلا 20 في المائة فقط منها. مع توقعات من جهات دولية مختصة، بأن حجم هذه النفايات سيصل سنويا إلى 120 مليون طن متري بحلول 2050، الأمر الذي يرفع من حدة المخاوف والخسائر. إذا ما استمر الحال على ما هو عليه، فإن الأمر سيكون أكثر تعقيدا في المستقبل. من هنا، يمكن فهم أولئك الذين ينادون بتعاون دولي ما للوصول إلى النقطة التي تضمن على الأقل، مستويات مقبولة من النفايات الإلكترونية التي يعاد تدويرها والاستفادة من قيمتها الحقيقية. مع ضرورة الإشارة إلى أهميتها للمساهمة في بلوغ الأهداف المعلنة للطاقة الخضراء التي ألزم العالم نفسه بها، باتفاقيات وتعهدات دولية واسعة.
للإشارة فقط إلى الأجهزة المستخدمة التي تحتوي على مواد الخام الثمينة، فهي تشمل الألعاب والسجائر الإلكترونية، والأدوات المنزلية المختلفة، حتى فرش الأسنان الكهربائية، وآلات الحلاقة وسماعات الرأس، فضلا عن الأجهزة الكهربائية التي تعج بها المنازل حول العالم. كل هذه المنتجات وغيرها تحتوي على المواد التي يمكن ببساطة إعادة تدويرها، وتمنع آثارها السلبية الخطيرة في البيئة والناس. ففي ظل تنامي إنتاج بطاريات السيارات التي ستحل وفق المخططات مكان المركبات العاملة بالوقود الأحفوري، فإن المواد التي تستخلص من النفايات الإلكترونية ستسهم في تعزيز هذه الصناعة، ومع الوقت ستسهم أيضا في خفض تكاليف الإنتاج، وبالتالي هبوط أسعارها في الأسواق. فالطلب على هذه المواد يرتفع بصورة كبيرة، نتيجة تزايد حركة إنتاجها. ففي أوروبا "مثلا" يتوقع أن يرتفع الطلب على النحاس ست مرات بحلول 2030. فهذه المادة تستخدم بكثرة في دعم الطاقة المتجددة والاتصالات والفضاء حتى الأسلحة.
لكن تبقى هناك دول ومناطق متقدمة على غيرها في توجيه النفايات الإلكترونية، وهذا يعود أساسا إلى قوانين صارمة وإرشادات اجتماعية فاعلة. ففي أوروبا تتم إعادة تدوير 55 في المائة من النفايات الإلكترونية والكهربائية، إلا أن المفاجأة تكمن في أن المتوسط العالمي ينخفض إلى نحو 17 في المائة! وبالطبع يعكس حجم توليد النفايات الإلكترونية المستويات المعيشية والاقتصادية للسكان في هذا البلد أو ذاك. فكلما كان المجتمع أكثر ثراء، كانت هذه النفايات أكبر. واللافت، على الساحة العربية، أنه في 2019 بلغت نسبة جمع واسترداد النفايات الإلكترونية فيها 0.1 في المائة فقط، أو ما مجموعه 2200 طن في العام الواحد، وفق معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث "يونيتار". وهي كما هو واضح نسبة تكاد لا تذكر.
والسؤال الكبير يبقى، إذا كان العالم يعيد تدوير 20 في المائة فقط من النفايات الإلكترونية والكهربائية ذات الصلة سنويا، أين تذهب نسبة 80 في المائة الباقية؟ ينتهي بها الأمر ببساطة في مدافن النفايات العامة، ونسبة منها يتم حرقه ما يسبب تلوثا نتيجة انبعاثات المواد الأولية فيها. ليس أمام هذا العالم سوى الوصول إلى مستويات مقبولة لإعادة تدوير هذه المواد، التي لا تشكل أهمية في إنتاج أجهزة جديدة فحسب، بل تقلل من الأضرار البيئية، وتساعد على تحقيق الأهداف العالمية في الحفاظ على المناخ بشكل عام.