2034 .. موعد سعودي جديد مع كتابة التاريخ
بانقضاء أيام أكتوبر الماضي، تنتهي المدة الزمنية المحددة من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، لاتحادات دول آسيا ومنطقة أوقيانوسيا، لتقديم عروض احتضان بطولة كأس العالم 2034، وتنتهي معها التكهنات بشأن الدولة المتوقع منحها شرف استضافة النسخة 25 من البطولة، بعدما وجدت المملكة العربية السعودية نفسها وحيدة في سباق التنافس من أجل الظفر بتنظيم أكبر حدث رياضي في العالم.
إذ سبق لجميس جونسون، ممثل الاتحاد الأسترالي لكرة القدم، الدولة التي كانت تنوي التقدم بملف لخوض غمار التباري، أن صرح باكتفاء أستراليا باستضافة كأس آسيا للسيدات 2026 وكأس العالم للأندية 2029، مؤكدا عجز بلاده على المنافسة "علينا أن نتحلى بالواقعية، السعودية تملك عرضا قويا، لديهم موارد كثيرة ليس فقط تلك المتعلقة بكأس العالم للرجال 2034، ودخلوا بقوة في سوق كرة القدم الأوروبية عن طريق الاستثمارات.. حكومتهم تضع الاستثمار في كرة القدم على رأس أولوياتها وهذا أمر يصعب التنافس معه".
شهادة قوية واعتراف غريم يثبت للعالم الإجماع القائم في المملكة بين القيادة والشعب على إسقاط كلمة مستحيل من قاموس البلاد، فالسعودية هي الدولة الوحيدة الذي استطاع ملفها الحصول على تأييد 125 اتحادا كرويا من مختلف بقاع العالم. فضلا عن كسب رهان الفوز بالتنظيم، في وقت قياسي جدا؛ إذ تطلب الأمر 27 يوما فقط من الإعلان. فضلا عن كونها الدولة الأولى في تاريخ المونديال التي ستشهد مشاركة 48 منتخبا في المنافسة، وهو أكبر عدد من الفرق في تاريخ البطولة يلتقي على أرضية دولة واحدة، على اعتبار أن نسختي 2026 و2030 تجرى بشكل مشترك في أكثر من دولة (كندا والولايات المتحدة والمكسيك) و(المغرب وإسبانيا والبرتغال).
رحلة اتشاح كأس العالم باللون الأخضر وتقديم دورة 2034 بنكهة سعودية خالصة، تبقى لدى كثيرين محل غموض والتباس، فالقدرة على تحقيق هذا الإنجاز المبهر الذي يرفع راية العرب عاليا، بالإمعان على أن تكون عودة المونديال إلى آسيا عربية للمرة الثانية على التوالي، لا بل خليجية في وقت وجيز لا يتعدى 12 عاما فقط، أوجدت مفاجأة كبرى في أوساط غير المتابعين للثورة الصامتة التي تعيشها المملكة، منذ أعوام، على كافة المجالات والأصعدة.
خلافا لما جرى العمل به في تجارب سابقة، حيث التخطيط والبناء يكون عادة من البداية، يأتي منح السعودية مهمة احتضان النسخة الأولى في المئوية الثانية من عمر البطولة، بمنزلة تتويج لمسيرة بناء وتشييد انطلقت مبكرا، بإعلان قيادة المملكة، أواخر عام 2017، الرياضة ركيزة من ركائز التحول الوطني ضمن "رؤية السعودية 2030" الرامية لتنويع مصادر الاقتصاد السعودي. ذلك ما يجعل من إسناد احتضان السعودية نهائيات البطولة بمنزلة ثمرة من الثمار هذا التحول الوطني الملهم.
تحدث عبدالعزيز بن تركي الفيصل وزير الرياضة السعودي عن الفوز بتنظيم الكأس معتبرا إياه "حجر أساس مهم في تحول البلاد". وإن كان من ناحية أخرى أفضل مناسبة للتسويق ما تم إنجازه باطلاع بقية شعوب العالم على ما تم تحقيقه في البلاد، فالحصيلة على أرض الواقع تبقى غير قابلة للوصف مهما حاول الأصوات والأقلام، فـ"من رأى ليس كمن سمع" كما ورد في الأثر.
داخليا، لا مراء في أن السعودية على موعد مع كتابة التاريخ بأبجدية الاعتزاز والفخر، فالحدث بثقله ودلالته لحظة فارقة في مسار البلد، وإنجاز فريد لأنه في متناول أقلية من الدول فقط. كما أنه سيبقى حكاية مشهودة في سجل المملكة، تروى على لسان صناعها ومن سيعيش يومياتها للأجيال المقبلة. وقبل ذلك كله محطة وطنية كبرى استطاعت فيها القيادة أن تحول المملكة العربية السعودية، على مسرح الأحداث العالمي، من قوة اقتصادية عملاقة إلى قوة رياضة عملاقة.
وخارجيا، ينتظر أن يعيش عشاق المستديرة في مونديال السعودية نسخة فريدة من نسخ كأس العالم، بالنظر لحجم ونوعية المشاريع التي تعرفها البلاد التي يتوقع أن تكون جاهزة قبل موعد المونديال، كما هي الحال مثلا مع مشروع ذا لاين في مدينة نيوم الضخمة التي ينتظر أن يصبح إحدى عجائب الكوكب التي ستشد إليه الرحال من كل أصقاع العالم. إلى جانب مشاريع نوعية أخرى مثل القدية والدرعية... تمزج بين الأصالة والمعاصرة والاستدامة والتجدد في مختلف مناطق البلاد.
ختاما، ومن باب تعزيز ما جاء على لسان رئيس الاتحاد الأسترالي لكرة القدم، وتفنيدا لما يشاع حول قدرة المملكة على احتضان 104 مباريات دولية يتضمنها برنامج المنافسة، نذكر بأن السعودية استطاعت بفضل الرؤية، وفي غضون سبعة أعوام فقط، تحقيق نهضة متكاملة على كافة الأصعدة، من الاقتصاد إلى الثقافة مرورا بالرياضة والسياحة والبيئة، ونجحت في تشييد مدن بمشاريع استثنائية في العالم، فكيف لا تقيم منشآت وملاعب وفضاءات تستجيب للضوابط التي يفرضها الاتحاد الدولي لكرة القدم؟
إن إثارة البعض لموضوع البنية التحتية عند كل حديث عن قدرة المملكة على احتضان حدث كروي عالمي بحجم كأس العالم، في دولة نجحت، في ظرف وجيز، بفضل استثماراتها العملاقة في الرياضة، وجمهورها العاشق للرياضة، في التحول إلى عملاق رياضي على الصعيد العالمي أشبه بمن يحاول تغطية أشعة الشمس بأصابع اليد الواحدة.