تكميم البيروقراطية
جاءت البيروقراطية كمفهوم ونظرية على يد ماكس فيبر؛ عالم الاجتماع، قبل نحو قرن من الزمن، ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم، والتساؤلات تدور حول براءة أو تهمة البيروقراطية من تعطيل الإجراءات، وتأسيس الروتين الإداري. السؤال هو: كيف حال البيروقراطية مع ثورة الاتصالات والمعلومات؟
من المهم أن نؤكد أنه تم تحميل البيروقراطية كثيرا من الخلل والمشكلات، وهذا غير دقيق. فعلى الرغم من كل سلبياتها وكثرة انتقاداتها، إلا أن هناك جانبا إيجابيا قد يحتاج إليه القادة في بعض الإجراءات والسياسات، وربما لأوقات زمنية محددة، ولا أريد أن أخوض في هذا الجدل، لأنه ليس محور مقالي. خلال هذا القرن وكمواجهة للبيروقراطية نشأ ما يعرف بإدارة التغيير التي تسهم في تذويب جليد البيروقراطية من خلال المحافظة على روادها عبر دمجهم في عملية الإصلاح الإداري، الذي في الأغلب يتعلق بتصميم العمليات وتقليل وتسهيل الإجراءات ومراحلها، إضافة إلى خروج الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي، لكن كورونا كان حجر الزاوية.
إن الرقمنة التي شاعت وانتشرت خلال كورونا أسهمت في "تكميم البيروقراطية" من سمنة مفرطة في بعض القطاعات، وأضافت مفهوم العمل من المنزل، وتحولت المكاتب والأدراج والأوراق وكراسي الانتظار إلى جهاز صغير بين اليدين ينجز أكثر وأسرع من الطرق الكلاسيكية! كما أن الذكاء الاصطناعي قلص كثيرا من الفجوات والقنوات التقليدية.
لقد لعبت ثورة الاتصالات والمعلومات في تغيير مفاهيم اجتماعية وعادات وأساليب لم يكن أحد يتوقع هذا التغيير السريع. فمثلا لو قلت لأحد ما قبل عشرة أعوام إنه بإمكانك إصدار جواز السفر وتجديد رخصة القيادة وأنت في بيتك، لأمسك بيدك إلى أقرب عيادة! سيأتي وقت يسأل الناس فيه عن البيروقراطية، وسيسرد جيل قصصا وحكايات عن مغامراته بين دهاليز الأعمال. بالمختصر، القرن المقبل بكل تقنياته وأدواته المتسارعة قد يحفر قبر البيروقراطية!