المسؤولية الاجتماعية .. تؤدون الحق الذي عليكم
يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حديث متفق عليه "تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم"، وهي دعوة من الصادق الأمين -صلى الله عليه وسلم- بأن علينا كمسلمين مسؤولية اجتماعية يجب ألا نخلطها لا نقايضها بالحقوق التي لنا، وهذا الحديث في رأيي هو ذروة سنام المسؤولية الاجتماعية التي أعرفها في تعريف فضفاض بإلزام الشخص "نفسه" بالقيم والمبادئ العليا التي توجه سلوكه في التعامل مع جميع أصحاب المصلحة، وهنا عليك استبدال كلمة الشخص بأي كلمة أخرى، مثلا الموظف، عليه إلزام نفسه بالقيم والمبادئ العليا التي توجه سلوكه في التعامل مع جميع أصحاب المصلحة، ومنهم المدير الأعلى منه، الذي يقوم بتوجيهه، فلا بد للموظف من السمع والطاعة له، في كل ما هو حق له نظاما وعرفا، حتى لو كان هذا المدير لا يستحق منصبه "كما يظن الموظف" أو غير مؤهل له أو أنه لا يعمل، وفقا لأفكار الموظف أو تطلعاته أو خبراته، أو أن الموظف يرى بأن هذا المدير قد وصل لهذا المنصب بطرق غير صحيحة، كل ذلك "يجب ألا يمنع" الموظف من القيام بمسؤوليته الاجتماعية تجاه هذا المدير، وعليه بنص الحديث أن يؤدي الحق الذي عليه ويسأل الله في الحق الذي له، فكم من موظف كان ينتظر تعيينه في المنصب الأعلى ذاته أو أعلى منه ثم لا يكون له ذاك، فيصبح وقد رفض التعاون أو التوجيهات، ولو كل موظف فقد بعضا من طموحه المشروع، قرر عدم التعاون أو الإهمال أو إفساد المشاريع أو تأليب الآخرين، فإننا أمام تراجع خطير في العمل والمسؤوليات قد يقود لفوضى لا تحمد عقباها. على هذا السياق يمكن استبدال كلمة "شخص" بالزوج في المنزل، فإذا أهملت الزوجة بعضا من حقوقه، فليس في هذا ما يجعله يهمل واجباته الزوجية أو أن يقود الأسرة نحو فشل شامل نكالا في زوجته، بل عليه أن يؤدي الحق الذي عليه كاملا غير منقوص، وأن يسأل الله الحق الذي له، وكذلك الزوجة، والأبناء، وحتى الآباء، والأمهات، طلبكم للحق الذي لكم لا يعني أبدا أن نهمل الحق الذي علينا، أو نتهاون في تقديمه بالصورة الصحيحة، فهناك فرق واضح، كما نص الحديث النبوي الكريم بين الحق الذي لنا والحق الذي علينا. وفي السياق نفسه، يجب على الجار القيام بواجباته مع أهل الجوار، وفقا للقيم والمبادئ العليا التي توجه سلوكنا في التعامل مع جميع أصحاب المصلحة، بل يسير هذا المفهوم حتى في قيادة السيارة في الشوارع المزدحمة أو على الطرق البرية، يجب أن نلتزم بالمسؤولية الاجتماعية والقيام بما يجب علينا، دون انتظار قيام الآخرين بما يجب عليهم، فكل شخص مسؤول اجتماعيا عند هذا المعني الواضح الذي نص عليه الحديث الكريم، نؤدي الذين علينا ونسأل الله الذي لنا.
في السياق نفسه، لو تم استبدال كلمة "شخص" بالشركة، فإن المسؤولية الاجتماعية تشير إلى التزام الشركة بتحقيق واجباتها تجاه الوطن والمجتمع والتنمية والإسهام في الرفاهية العامة وحماية البيئة، وعناصر الأخلاق التجارية كافة في عملياتها كافة مع العملاء حتى ظروف العمل داخل الشركة نفسها، وتوفير بيئة عمل آمنة وصحية للموظفين، حتى لو كان الموظفون لا يقومون بواجباتهم المطلوبة، أو هناك تقصير منهم، ومن المهم هنا توضيح الفرق بين حق المطالبة بالحقوق، وبين قوله -صلى الله عليه وسلم- "وأسأل الله الذي لك"، فيجب أن نؤكد أن الرسول لم يمنع أحدا من المطالبة بحقه، ولم يقيده، فالشركة قادرة بما لديها من سلطات أن تستقطع من راتب الموظف بقدر ما أهمل من أعماله، وبقدر ما تغيب عن العمل، لكن المقصود هو قيام الشركة والأفراد بتنفيذ ما عليهم من مسؤوليات بغض النظر عما لهم من حقوق، فهذه هي المسؤولية الاجتماعية، فلا شروط هنا وليس هناك مقايضة، فإهمال موظف لا يعني أن تهمل الشركة في حقه المكفول له، فلا تتعسف الشركة في عقابه بطريقة تمنعه من حقوقه، كأن يتم تأخير راتبه، أو التسلط عليه من قبل المسؤول الأعلى بعبارات غير لائقة أو حتى مهينة، أو منعه من الإجازات المستحقة نظاما، أو إهمال مواقع العمل. والحال كذلك في العقود التي تبرمها الشركات مع الأطراف الأخرى، فلا يمنع الشركة أن تقوم بما عليها من مشاريع في وقتها بالصورة المطلوبة بحجة عدم قيام الطرف الآخر بحقوقها، طالما أن العقود المبرمة بين الطرفين تفصل بين هذه الحقوق بصورة واضحة.
قيام كل منا بواجباته هو الفيصل في المسؤولية الاجتماعية في شكلها الواسع، ولهذا يجب علينا -جميعا- تحديد الأطراف التي لها حق علينا، حق في العمل أو في الأسرة أو في الجوار، حتى في الطريق. فكل له حق معلوم بالدين ومعلوم من الأخلاق العليا والأعراف العامة، ويجب علينا أن نحقق مفهوم المسؤولية الاجتماعية في حياتنا بوضوح، لو تحقق هذا فإننا نطلق روحا من الحضارة التي تحتاجها البشرية اليوم في أحوج ما تكون له.