استعادة استقرار الأسعار .. المهمة الصعبة لأوروبا «2 من 2»
في معظم اقتصادات الأسواق الصاعدة الأوروبية، قد يؤدي اقتران ضعف الإنتاجية بفقدان التنافسية المقيسة بتكلفة الأجور إلى تعطيل وتيرة التقارب الاقتصادي.
في هذه الظروف، قد يكون من الصعب أيضا الحفاظ على استقرار مسار الدين العام، خاصة في الدول عالية المديونية، حيث يتعين تحقيق خفض ملموس في مستويات الدين.
في هذا السياق، ينبغي أن تهدف السياسات الاقتصادية إلى استعادة استقرار الأسعار وتعزيز أساسيات الاقتصاد. تشير التجارب السابقة إلى أن عودة التضخم إلى مستوياته الطبيعية في أعقاب النوبات التضخمية تستغرق عدة أعوام.
بالتالي، من الضروري مواصلة تقييد السياسة النقدية لضمان عودة التضخم إلى مستواه المستهدف خلال أفق زمني معقول. وفي ظل عدم اليقين الشديد حول مدى استمرارية التضخم، سيؤدي التيسير في مرحلة مبكرة للغاية إلى تكلفة باهظة. ويتفاوت قدر التشديد النقدي اللازم باختلاف ظروف كل بلد، ولكن سيتعين على عديد من البنوك المركزية الاستمرار في تطبيق أسعار فائدة أساسية مرتفعة فترة من الوقت. في الوقت نفسه، ينبغي للدول تكثيف جهودها لإعادة بناء هوامش الأمان المالي أو الحفاظ عليها مع حماية احتياجات الإنفاق الحيوية.
ومن خلال تخفيض العجز، ستكون سياسة المالية العامة بمنزلة أداة مكملة للسياسة النقدية في مكافحة التضخم. وينبغي الإلغاء التدريجي لما تبقى من تدابير الدعم غير الموجه على الطاقة ومعالجة أوجه عدم الكفاءة على جانبي النفقات والإيرادات. غير أن هذه الوفورات قد لا تكون كافية لتلبية احتياجات الإنفاق على التعليم والتأثيرات الديموغرافية المعاكسة والبنية التحتية وتغير المناخ، مع كبح العجز الكبير.
على المدى المتوسط، يتوقع ارتفاع نسب الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي في معظم اقتصادات الأسواق الصاعدة الأوروبية نتيجة تباطؤ النمو وارتفاع تكلفة خدمة الدين. سيتعين على هذه الدول أيضا تعزيز تدابير ترشيد الإنفاق وتعبئة الإيرادات لوضع نسب الدين العام على مسار تنازلي. وبالنسبة لاقتصادات الاتحاد الأوروبي، لا تزال الأولوية تتمثل في تعزيز القدرة على استيعاب المنح التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لتمويل البنية التحتية القادرة على تحمل تغير المناخ، والحماية الاجتماعية، وتسريع التحول الأخضر.
ينبغي أن تضمن السياسات الاقتصادية الكلية ـ المالية مراقبة الأخطار الناشئة المهددة للاستقرار واحتواؤها. وقد زادت أرباح البنوك نتيجة ارتفاع هوامش الفائدة الصافية. وينبغي استخدام هذه الموارد في زيادة رؤوس الأموال الوقائية، بما في ذلك من خلال المتطلبات التنظيمية. ونظرا للانكشاف الائتماني للبنوك تجاه قطاع العقارات، تزداد أهمية هوامش الأمان القوية حين تواجه أسواق العقارات تأثيرات هيكلية ودورية معاكسة على غرار ما تشهده حاليا.
تظل السياسات الهيكلية بالغة الأهمية لتحقيق نمو قوي وأخضر يتساوى الجميع في نصيبهم منه. وينبغي أن تركز الإصلاحات على إزالة الحواجز التي تعوق الابتكار والديناميكية الاقتصادية.
من شأن تقوية بيئة الأعمال من خلال السياسات المشجعة للاستثمار والإنفاق على البحث والتطوير أن تعزز المنافسة التي تؤدي إلى زيادة الإنتاجية. وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة الأوروبية، يتطلب جذب الاستثمار أيضا تعزيز إدارة القطاع العام وحوكمته، ودعم التوفيق الوظيفي للعمالة، وإيجاد بنية تحتية موثوقة للخدمات الرقمية والنقل والطاقة. ويتعين أن تحافظ أوروبا على أهم مقومات نموها وهي السوق الأوروبية الموحدة. ويمكن أن تسهم السياسات القطاعية بدور في هذا الصدد "في حال وجود عوامل الانتشار الشبكي الخارجية" بزيادة الإنفاق على البحث والتطوير وإتاحة الحصول على التكنولوجيات الجديدة، ما يؤدي إلى زيادة أوجه الكفاءة وتيسير التحول الأخضر. غير أنه يتعين تطبيق هذه السياسات بدقة وعناية، وتجنب التسابق على تقديم الدعم المكلف أو استخدام التعريفات الجمركية التشويهية. ويعد التعاون الدولي في مجال تغير المناخ، بما في ذلك وضع حد أدنى عالمي لسعر الكربون، أمرا ضروريا لخفض الانبعاثات مع الحفاظ على القدرة التنافسية. وتشكل الاتفاقات الأخيرة بشأن تعزيز نظام تداول الانبعاثات المعمول به في أوروبا خطوة مهمة نحو تحقيق الأهداف المناخية للاتحاد الأوروبي.