الحرب الروسية - الأوكرانية مستمرة
تتجاهل الحرب الروسية - الأوكرانية كغيرها من الحروب منذ اندلاعها في 24 فبراير 2022، الأبعاد الإنسانية، بالتغاضي عن الفئات الأكثر ضعفا والأكثر تضررا من ويلات الحروب، الفئات الأكثر ضعفا وهشاشة من المدنيين، التي تتمثل في الصغار وكبار السن والنساء، ما يسبب الحرمان من الرعاية الصحية والإنجابية، وانعدام الأمن الغذائي، والحرمان من التعليم، والعنف ضد الأطفال والنساء.
الإنجاب والولادة
أفاد صندوق الأمم المتحدة للسكان بأن بداية الأزمة الروسية - الأوكرانية، شهدت حمل 265 ألف امرأة في أوكرانيا، منها 77 ألف ولادة في الأشهر الثلاثة الأولى من بداية الدخول العسكري الروسي في أوكرانيا.
وسط أخطار الحرب التي وضعت أوزارها، ستكون عمليات الولادة محفوفة بالمخاطر، التي ستحصل في الملاجئ ودور الإيواء، في ظل ظروف صعبة، قد تهدد صحة المرأة وتزيد من احتمالية وفاة المواليد أو الأمهات، بسبب الأوضاع الصعبة التي تسببها الحرب وتبعاتها، وما يلحق بها من تهجير قسري، وسط انقطاع كلي أو جزئي عن الرعاية الصحية، وهو ما يعرض الحوامل لحالات ولادة غير آمنة تهدد حياة المرأة والمولود.
وفي حال الولادة ووضع المواليد أثناء الحرب الروسية - الأوكرانية هنالك مشكلة أخرى، حيث تواجه الأمهات حالات متزايدة من العنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث تزداد معاناتهن للحصول على الحد الأدنى من الغذاء، خصوصا النساء اللاتي لم يكتب لهن التوفيق باللجوء في دول الجوار، ما يجعلهن وأطفالهن أهدافا للحرب الشرسة، التي تهدد أمن أوروبا واستقرارها.
تتفاقم مشكلة الأمهات الأوكرانيات بسبب الحرمان من التعليم، حيث أكدت وزارة التعليم في أوكرانيا أنه تم تدمير نحو 1800 مدرسة وجامعة في أوكرانيا، حيث استخدم بعضها كمراكز معلومات أو ملاجئ أو مراكز إمداد لأغراض عسكرية.
وبسبب الدمار الكبير الذي حل بالمنشآت التعليمية، تعرض ملايين الطلاب والطالبات للحرمان من التعليم في المرحلة التالية للحرب، التي تمتد حتى يومنا هذا في الأشهر الثمانية الماضية من التعليم المناسب، خصوصا في أماكن ومناطق النزاع الأوكرانية، التي تزيد من احتمالية خروج الفتيات من المدارس بمعدل مضاعف بنحو ثلاث مرات عن الأولاد.
سجلت قوائم اللجوء الدولية، لجوء نحو 12 مليون أوكراني من بلادهم أغلبيتهم من الأطفال والنساء، تاركين خلفهم رجالهم، ومنازلهم، فيما انقطعت الاتصالات بينهم وبين أفراد عائلاتهم من المقاتلين المتصدين للهجمات الروسية، فيما يتعرض كثير منهم للقتل، تفقد هذه العائلات المهاجرة أبناءها ورجالها في حرب استنزاف أرادها الغرب لإضعاف روسيا، التي ترى في أوكرانيا حصنا للدفاع عن أمنها القومي أمام التمدد الغربي، المتمثل في حلف شمال الأطلسي "الناتو".
كما أدى النزاع المسلح في أوكرانيا إلى زيادة مخاطر العنف، حيث أشارت تقارير إلى تعرض النساء الأوكرانيات إلى العنف والاستغلال جراء الحرب، نتيجة لفقد أزواجهن وغياب من بقي على الحياة منهم، وهو أسلوب حربي متعمد لتمزيق نسيج الأسرة، وكسر الروح المعنوية للنساء، وعلى الرغم من تأكيدات روسيا مرارا وتكرارا في الأمم المتحدة أن الجنود الروس يخضعون لقواعد صارمة تحظر العنف ضد المدنيين، فإن التقارير الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أكدت وقوع حالات عنف ضد الأطفال والنساء خلال الحرب.
ما ذكر سابقا تعرضت له أغلبية الأوكرانيات، اللواتي لم يكتب لهن اللجوء، حيث فر ملايين، وأن نصف الذين فروا من البلاد أو نزحوا من النساء والأطفال وكبار السن، ويتجسد خطر اللجوء في تزايد معدلات الاتجار بالنساء والفتيات أثناء بحثهن عن المساعدة لأنفسهن ولأطفالهن أو في افتقارهن للموارد الاقتصادية والوثائق القانونية الأساسية التي تمكنهن من الوصول إلى المناطق الآمنة.
نظرا لانشغال الرجال بالقتال على الجبهات عملت الحكومة الأوكرانية على إشراك النساء في محادثات إعادة الإعمار، وخطط التعافي الاقتصادي، الأمر الذي يجعل عملية إعادة الإعمار متكاملة الأبعاد، ولا تقتصر فقط على البعد الاقتصادي المتمثل في الوصول إلى اقتصاد مزدهر عبر حماية شركات القطاع الخاص.
يعد هذا المدخل بأنه المؤدي إلى إهمال الجوانب الاجتماعية والصحية والاقتصادية للفئات الأكثر ضعفا، وربما وضع مزيدا من الأعباء على النساء الأوكرانيات، وتفاقم ظاهرة تأنيث الفقر بسبب تخفيض الدخول في المجال العام، أو فقدانها الفئات الأكثر ضعفا.
وتمثل مشاركة النساء الأوكرانيات في إعادة الإعمار أمرا حتميا فرضته الوقائع على الأرض، كما أنه أحد الطرق الأكثر فاعلية لإنقاذ الاقتصاد الأوكراني، حيث تتطلب الأوضاع الراهنة في البلاد توفير حلول آمنة لتحفيز النساء اللاجئات على العودة إلى البلاد، إذ تشير التوقعات إلى أن نسبة الفشل في إقناع نحو 2,8 مليون امرأة في سن العمل بالعودة إلى البلاد من شأنه تكلفة أوكرانيا 10 في المائة من الناتج المحلي للدولة.
وبحسب التقديرات فإن المبلغ المطلوب لهذا الغرض نحو 20 مليار دولار في كل عام، وهو ما يتجاوز حجم حزمة المساعدات التي اقترحها الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا خلال أربعة أعوام، التي تبلغ قيمتها السنوية نحو 12,5 مليار يورو، وهذا، ما يفرض على الحكومة الأوكرانية وضع خطة استعداد ذات بعد شامل لمشاركة النساء، واستعادتهن للمشاركة في جهود إعمار في البلاد بعد انتهاء الحرب.
خلال عام 2014، وردا على التدخل الروسي في شبه جزيرة القرم آنذاك، تم الإعلان عن التعبئة العامة للنساء، للاستفادة من مشاركتهن في القوات المسلحة الأوكرانية وزيادة عدد أفرادها بما يقارب 200 ألف جندي من النساء، لتولي المهام الخدمية، بدءا من الخدمات الطبية وانتهاء بخدمات الطهي والنظافة.
لتتحول مشاركتهن بعد أعوام قليلة إلى المهام القتالية، وفي الصفوف الأمامية من القتال، وعلى الرغم من ذلك لم تحظ المرأة الأوكرانية بوضع متساو مع الرجال داخل الجيش، وتبين فيما بعد أن هذا الإجراء كان بسبب إحجام بعض الرجال المقاتلين عن شغل بعض المناصب منخفضة الأجر في الجيش.