عصرنا المعرض للخطر والتهديدات الاقتصادية «4 من 4»

هذه المعارك المتنوعة ضرورية، لكنها ستكون مكلفة، وستحد القيود الاقتصادية والسياسية من قدرة الحكومات على تمويلها من خلال فرض ضرائب أعلى. والواقع أن نسب الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي مرتفعة بالفعل في معظم الاقتصادات المتقدمة -خاصة أوروبا- وسيؤدي التهرب الضريبي، والتجنب، والموازنة، إلى زيادة تعقيد الجهود المبذولة لزيادة الضرائب على الدخل المرتفع ورأس المال "على افتراض أن هذه التدابير قد تتجاوز جماعات الضغط أو تحصل على الدعم من أحزاب يمين الوسط".
إن ارتفاع الإنفاق والتحويلات الحكومية، دون زيادة متناسبة في الإيرادات الضريبية، سيؤدي إلى زيادة العجز الهيكلي للميزانية بشكل أكبر مما هو عليه بالفعل، ما قد يؤدي إلى نسب ديون غير مستدامة من شأنها زيادة تكاليف الاقتراض وبلوغ ذروتها في أزمات الديون ـ مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية واضحة على النمو الاقتصادي. بطبيعة الحال، في ظل هذه الظروف، سيتعين على عديد من الأسواق الناشئة والدول النامية التي تتحمل ديونا مقومة بالعملة الأجنبية التخلف عن السداد أو الخضوع لعمليات إعادة الهيكلة القسرية. مع ذلك، بالنسبة إلى الدول التي تقترض بعملاتها الخاصة، فإن الخيار المناسب يتلخص في السماح بارتفاع معدلات التضخم كوسيلة لتقويض القيمة الحقيقية للديون الاسمية ذات سعر الفائدة الثابت طويلة الأجل.
من الممكن بعد ذلك دمج هذا النهج الذي يعمل كضريبة على المدخرين والدائنين وإعانة للمقترضين والمدينين مع تدابير صارمة أخرى، مثل القمع المالي أو الضرائب على رأس المال. وبما أن عديدا من هذه التدابير لا يتطلب موافقة تشريعية أو تنفيذية صريحة، فإنها تصبح حتما المسار الأقل مقاومة عندما يصبح العجز والديون غير مستدامين.
لقد بدأت أسواق السندات بالفعل في الإشارة إلى المخاوف بشأن العجز المالي والديون العامة غير المستدامة، ليس فقط في الدول الفقيرة والأسواق الناشئة، بل أيضا في الاقتصادات المتقدمة. يشير الارتفاع الحاد في معدلات السندات طويلة الأجل في كل من أوروبا والولايات المتحدة، إلى أن الطلب على السندات يتقلص مع ارتفاع العرض وتزايد العجز في الميزانية، وانتقال البنوك المركزية من التيسير الكمي إلى التشديد الكمي، وسعي المستثمرين إلى علاوات مخاطر أعلى، وخفض المنافسين تدريجيا احتياطياتهم من الدولار. علاوة على ذلك، من المرجح أن يكون هناك مزيد من الضغوط الصعودية على أسعار الفائدة طويلة الأجل في الولايات المتحدة ودول مجموعة العشر الأخرى عندما تبدأ اليابان في تطبيع السياسة النقدية والتخلي عن سياسة التحكم في منحنى العائد التي استخدمتها للحفاظ على أسعار الفائدة الطويلة الأجل عند مستوى قريب من 0 في المائة.
لا تعرف عائدات السندات الاسمية وحدها ارتفاعا ملحوظا، بل كذلك العائدات الحقيقية. فخلال عقد الركود المزمن، كانت العائدات الحقيقية طويلة الأجل قريبة من الصفر أو سلبية، وذلك بسبب ارتفاع معدلات الادخار وانخفاض معدلات الاستثمار. لكننا ندخل عصرا يتسم بالمدخرات العامة السلبية "تزايد العجز المالي"، وانخفاض المدخرات الخاصة "بسبب الشيخوخة السكانية وانخفاض نمو الدخل"، وارتفاع معدلات الاستثمار "بسبب التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه، والإنفاق على البنية التحتية، والذكاء الاصطناعي".
بالتالي، نجد أن أسعار الفائدة الحقيقية إيجابية، وتعرف ارتفاعا متزايدا بسبب علاوات المخاطر الأعلى المفروضة على السندات العامة في ظل ارتفاع الديون. ووفقا لتقديرات بعض البنوك الاستثمارية الآن، فإن أسعار الفائدة المتوازنة الطويلة الأجل تقترب من 2.5 في المائة، في حين تشير الأبحاث الأكاديمية الأخيرة، إلى أن معدلات الفائدة أقرب إلى 2 في المائة. في كل الأحوال، ستكون التكاليف الاسمية والحقيقية لرأس المال أعلى بكثير في المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي