الاستدامة الزراعية ودور التقنيات الابتكارية
أصبح دور التكنولوجيا بارزا في شتى المجالات، خصوصا مع تطور التقنيات والابتكارات النوعية وتطبيقاتها المختلفة، حيث يكمن هذا الدور في عمليات التنظيم والربط التكاملي والأتمتة للحصول على أداء بجودة عالية وأكثر فاعلية وفي سبيل تحقيق استدامتها بمستوى عال جدا. وسبق أن تحدثت عن ذلك بشكل عام في مقال سابق بعنوان "الأتمتة الإلكترونية الذكية .. حلول مستدامة"، ولعلي في هذا المقال سأخصصه عن كيفية العمل على استدامة المجال الزراعي، وأتناول من خلال ذلك استخدام التقنيات الإلكترونية ودور الابتكارات النوعية وطرق تفعيلها.
من خلال تتبع الأزمنة الماضية للمراحل والطرق التي تتم بها العمليات الزراعية نجدها تغيرت واختلفت من فترة زمنية إلى أخرى، بسبب التقدم العلمي والهندسي التكنولوجي، حيث نجد أن كثيرا من المزارعين تخلص من الطرق الزراعية التقليدية لمحدوديتها والتي كانت تتم يديويا في زراعة البذور أو من خلال استخدام المواشي مثل الخيول في عمليات الحرث والري وغيرها، وتم استبدال ذلك بأنواع متعددة من الأدوات والمعدات الميكانيكية والكهربائية التي من خلالها تطورت وتوسعت الزراعة وبشكل كبير، إلا أن هناك عديدا من التحديات التي تواجهها مثل نقص الأيدي العاملة والتدريب اللازم لها، وأضف إلى ذلك الآفات والأمراض التي تصيب المزارع والتربة والطقس وغيرها، ومن هنا نجد الأهمية الكبيرة للتقنيات الابتكارية في هذا المجال.
يمكن تحقيق استدامة المجال الزراعي من خلال استخدام التقنيات الإلكترونية واعتماد الابتكارات النوعية، ومن الأمثلة لبعض الطرق التي يمكن بها تحسين واستدامة الزراعة باستخدام التقنيات التكنولوجية، مثل الحساسات وأنظمة المراقبة، كتلك المستخدمة في قياس جودة التربة والرطوبة وتحليل البيانات التي من خلالها يمكن للمزارعين اتخاذ قرارات أفضل بشأن الري واستخدام الموارد، ومن الأمثلة أيضا نظم المراقبة التي يعتمد فيها على تقنيات الإنترنت الأشياء والتي تتيح متابعة الحالة الزراعية عن بعد وتحسين عمليات الإنتاج. وهناك أيضا أنظمة الري التلقائي التي تعتمد على بيانات الحساسات وتقنيات التحليل لتحديد احتياجات المحاصيل بشكل دقيق، وهي إحدى طرق الزراعة الذكية، التي تتم عن طريق عمليات دمج البيانات والذكاء الاصطناعي لتحسين عمليات الزراعة وتحسين الإنتاجية، ولا ننسى دور الروبوتات والطائرات دون طيار، فعند إدخال مثل هذه التقنيات النوعية المتطورة في عمليات الزراعة، يتم عن طريقها التقليل من التكلفة وتزيد من الكفاءة والفاعلية، إضافة إلى الاستخدامات المتعددة لها، فمثلا تكنولوجيا الطائرات دون طيار يمكنها رصد المحاصيل وتحديد المناطق التي تحتاج إلى رعاية إضافية، أيضا إدخال التقنيات الإلكترونية التي تساعد على عمليات تحليل البيانات الضخمة، التي يمكن من خلال هذه التحاليل الحصول على نتائج قيمة عن سلوكيات المحاصيل والتوجيهات الزراعية، والحصول أيضا على تحليلات متقدمة حول المناخ، ما يساعد على اتخاذ قرارات أفضل فيما يتعلق بالأمور الزراعية. أضف إلى الطرق التقنية الحديثة أيضا تقنيات الذكاء الاصطناعي، فمثلا يمكن من خلالها تحديد الأمراض والآفات التي تصيب المحاصيل أو تلك النباتات المصابة سوء التغذية، أو تحديد منطقة زراعية مصابة في مساحة محددة بوساطة الربط التكاملي لمستشعرات إلكترونية، خاصة مع بعضها بعضا مع قواعد بيانات تحليلية ومن ثم يتم تعيين أو اختيار نوعية المبيدات التي يجب استخدامها في تلك المساحة المستهدفة، بدلا من المنطقة بأكملها، وذلك يرفع ويحسن من جودة المحاصيل والإنتاجية بشكل أفضل، وأكثر أمانا من الناحية الصحية على النباتات الزراعية بشكل خاص والبشر بشكل عام، ويمكن الاستفادة أيضا من تقنيات الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بأحوال الطقس، وهو من أهم العوامل المؤثرة في الزراعة، وصحة التربة بقياس البكتيريا والفطريات التي تسبب الآفات وغيرها، وهناك عديد من الشركات تعمل على مثل هذه التقنيات وتطويرها، ومن الابتكارات النوعية التي تسهم في تطور الزراعة واستدامتها، الابتكارات الحيوية، فاستخدام الهندسة الوراثية لتطوير المحاصيل لتكون مقاومة للأمراض والآفات يمكن أن يقلل من الحاجة إلى المبيدات، وسيساعد من تطوير محاصيل معدلة وراثيا لتكون أكثر فاعلية في استخدام الموارد الطبيعية، كذلك استخدام التكنولوجيا للتسويق الرقمي والتصدير الإلكتروني لتحسين عمليات التسويق يمكن أن يزيد من ربحية الاقتصادية، ويساعد على تحسين فرص التصدير الإلكترونية، وأيضا توفير موارد التعلم والتدريب الإلكترونية للمزارعين يساعد على نقل التقنيات الحديثة والممارسات المستدامة.
تحدثت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في موقعها الإلكتروني عن تحقيق نمو مستدام في الإنتاجية في القطاع الزراعي عن طريق طرحها لمشروع النمو المستدام للإنتاجية في القطاع الزراعي، وركزت في ذلك على اعتمادها على تقنيات الزراعة الذكية، وأرى ان تطوير الزراعة باستخدام التقنيات الإلكترونية لتكون لدينا مزراع رقمية ومؤتمتة بالكامل سيحقق النجاح المأمول فيما يتعلق بالتحديات التي تواجهها العمليات الزراعية من نقص الأيدي العاملة أو الطقس أو التربة، وسيعزز كذلك من فاعلية الإنتاج الزراعي، وتحسين إدارة الموارد، وتقليل التأثير البيئي السلبي، ما يسهم في تعزيز استدامة الزراعة على المدى الطويل.