ترويض العملة المشفرة وإطلاق عنان «البلوكتشين» «2 من 3»
مثلما يتضح من دراسة أعددناها أخيرا، يمكن للتحول إلى العملات المشفرة ـ أي استخدام الأصول المشفرة بدلا من العملة المحلية ـ أن يضعف انتقال أثر السياسة النقدية إلى النشاط الاقتصادي. فما جدوى رفع أسعار الفائدة على عملة يحوزها قليلون؟ وعلاوة على ذلك، يمكن التحايل على تدابير إدارة تدفقات رأس المال ـ مثل حدود حيازة النقد الأجنبي.
العملة المشفرة يمكن أن تضعف استدامة المالية العامة إذا أصبح تحصيل الضرائب متقلبا أو زادت صعوبة إنفاذه. هذا هو المستقبل الذي نريد جميعا أن نتجنبه.
لكي نجد السبيل إلى ذلك، نعود للحديث عن الحاضر ـ وننتقل من الغرب الأمريكي إلى شرق آسيا، لكي نتعلم من تقاليد كوريا الثرية.
مصدر إلهامي هو الهانجول. وللزائرين مثلي، إنه نظام كتابة اللغة الكورية الذي استحدثه الملك سيجونج في القرن الـ15. وهو عبارة عن تركيب بسيط حل محل نظام كتابة كان يفتقر إلى الكفاءة واقتصر على النخبة. ومن المخطوطات القديمة إلى الهواتف الذكية، أثبتت لغة الهانجول قدرتها المذهلة على التكيف. كما أنها لغة جميلة.
هانجول هي السلعة العامة الرصينة ذات القواعد الواضحة في تركيب المقاطع والكلمات، والبنية التحتية البسيطة وإن كانت صلبة ـ وهي تتكون من 24 حرفا. هذا الأمر شبيه بما نحاول أن نحققه اليوم. هدفنا هو أن نجعل النظام المالي أكثر كفاءة وقابلا للتشغيل البيني ومتاحا للجميع بوضع قواعد لتلافي أخطار العملة المشفرة، وإرساء بنية تحتية بالاستفادة من بعض تكنولوجياتها. ولنتطرق إلى كل منها على حدة.
حول الحديث عن قواعد العملة المشفرة فعقب المناقشات المثمرة مع الدول الأعضاء، نشر صندوق النقد الدولي ومجلس الاستقرار المالي تقريرا في سبتمبر الماضي قدما فيه إرشادات حول قواعد الأصول المشفرة.
تضمنت أهم عناصره، عدم جعل الأصول المشفرة عملة قانونية ولا عملات رسمية، وتوضيح القوانين والمعايير والقواعد التنظيمية وتطبيقها باتساق، بما فيها ما يتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ووضع قواعد ضريبية واضحة، وبناء أساس قانوني صلب ينطوي على تصنيف واضح للأصول المشفرة، وتنسيق السياسات على مستوى العالم لتجنب مراجحة القواعد التنظيمية، لأن في استطاعة مقدمي الأصول المشفرة الرحيل إلى مكان جديد بضغطة زر.
تعكف الدول على تطبيق هذه الإرشادات، فتحولها إلى تشريعات، وتدرب مراقبيها ومشرفيها، وتعمل على إنفاذ الامتثال لها. كوريا، على سبيل المثال، تبرهن على دورها القيادي بتعديل قانونها بشأن غسل الأموال ووضع تشريع جديد ينظم الأصول المشفرة. ومجلس الاستقرار المالي وصندوق النقد الدولي يساعدان الدول الأعضاء على كل هذه الجبهات، ونحن مستعدون لعمل مزيد.
ليس الهدف من هذه القواعد هو إعادتنا إلى عالم ما قبل الأصول المشفرة، ولا دحض الابتكار. وليست كل العملات المشفرة ملوثة بالتدليس، تماما مثل الغرب الأمريكي الذي لم يكن كل سكانه من المحتالين، رغم الأساطير التي تدور حوله.
للحديث عن القطاع الخاص واستكشاف البنية التحتية فإن القواعد السليمة يمكن أن تحفز الابتكار وتوجهه. فعلى سبيل المثال، تعكف البنوك الآن على استكشاف بنية تحتية جديدة للتداول باستخدم تكنولوجيا البلوكتشين المنقحة والمعممة بفضل انتعاش الأصول المشفرة.. يتبع.