أسعار الفائدة وخيارات العالم
كشفت التطورات الاقتصادية عن مدى الحاجة إلى أدوات جديدة للإدارة الاقتصادية وبشكل أساس في السياسات النقدية، فمعدلات التضخم والسيطرة عليها أصبح أكثر تأثيرا في حركية الأسواق ومعدلات النمو الاقتصادي كدخول عوامل غير اقتصادية مثل تغير المناخ والطاقة المتجددة والحياد الكربوني، كما أن ارتفاع معدلات التضخم بشكل كلي على الاقتصاد العالمي واحد من أكثر التحديات تعقيدا وفقدان العالم متوسط نمو اقتصادي لم يخسره منذ عقود طويلة، إضافة إلى تنامي الديون السيادية التي تعيق نمو الاقتصاد.
يمكننا من خلال متابعة تحذيرات صندوق النقد الدولي بشأن عدم الاستعجال وإنهاء معركة التضخم، إدراك أن التفسير الاقتصادي الذي يرمي له مسؤولو الصندوق بأن التسرع في خفض سعر الفائدة يمكن أن يؤدي إلى تضخم مزمن، ويصبح في قلب الاقتصاد العالمي وتصبح سياسات التخفيف وسياسات التوسع محفزا لبقاء الأسعار مرتفعة، وقد يقابله تباطؤ اقتصادي واسع المدى، وفي واقع الحال أن صندوق النقد لا يملك إجابات قاطعة، ولكن السياسات الاحترازية التي يتبعها تعد الخيارات الأفضل نظريا إلى حين تحسن النمو الاقتصادي الكلي للاقتصادات الرئيسة.
هناك أمران في غاية الأهمية وعلينا مراقبتهما من كثب، أولا، مخاوف الركود المزمن. ثانيا، مخاوف التضخم المزمن، لأن الأزمات ستتأصل في عمق النظام الاقتصادي وما يعقبها من تأثير في الوظائف وقيمة الأصول وتراجع القوة الشرائية وخسارة العالم للنمو بسبب فشل في السياسات النقدية، واستعادة السيطرة تعني أن السلاح الفاعل أصبح معدوم الفائدة وقد يسهم في مفاقمة الوضع في ظل تباين النمو الهش عالميا مع وجود احتمالات مخاطر جيوسياسية في البحار وسلاسل الإمداد على التجارة الدولية، وفي ظل هذا السيناريو فإن البنية التحتية والتجارة في كثير من الدول غير جاهزة لتحمل صدمات إضافية، وفي الوقت ذاته يصعب الاستثمار في مثل هذه الظروف على كثير من دول العالم مع القيود المالية المتعلقة بالميزانية والتي يمكن أن تكون أكثر وضوح في 2024 المقبل.
التضخم المستهدف في نطاق 2 في المائة في الولايات المتحدة التي تفرضه سياسات النقد الدولارية ـ إن صح التعبير ـ توثر بشكل مباشر في الأسواق الأوروبية التي توجد مزيدا من الضغوط على الشركات الأوروبية، وسرعة تخفيض أسعار الفائدة قد تؤدي إلى تضخم دائم في أهم اقتصادين، الاتحاد الأوروبي وأمريكا، بمعنى آخر الثمن هو خفض سعر الفائدة ثم رفعه مرة أخرى، وقد يؤدي إلى صدمة كبيرة وواسعة للأسواق العالمية إذا ما فشلت أسعار الفائدة في السيطرة.
أخيرا، العام المقبل قد يفتح خزائن الحكومات النامية والناشئة لتفعيل السياسات المالية ولا سيما في الدول التي تمتلك احتياطيات نقدية قادرة على المواجهة، في حين أن الاقتصادات الأخرى تزيد أرصدة الديون الحكومية. خيارات العالم تحتاج إلى هجين من السياسات النقدية والإنتاج وخفض أسقف الدين والاتجاه نحو نماذج أسواق العمل الجديدة.