«مين تحب أكثر؟»
حين كنا صغارا لم تكن الأفكار الكثيرة والصور المتناقضة تحتدم في عقولنا، وقتها كثيرا ما يتم سؤالنا هذا السؤال التقليدي "مين تحب أكثر أمك أو أبوك؟" فنجيب بكل بساطة "أمي وأبوي"، وحين كان يصر السائل على اختيار أحدهما كنا نشعر بالحيرة ولكن في النهاية نصر على الإجابة نفسها.
اليوم حين يلقى السؤال نفسه على أطفال هذا الزمن فلن يترددوا في اختيار أحدهما بلا أدنى تفكير، القلة فقط هم من سيصرون على اختيارهما معا، الإشكالية ليست في السؤال بل في الإجابة التي ستترك أثرا غائرا في نفس من لم يتم اختياره، وسيعيد التفكير في كثير من الأمور التي كان يقدمها بحب وعطاء ويحترق ذاتيا، ثم يكتشف أن الطرف الآخر هو المفضل، ما سيؤدي به إلى تراكمات نفسية سيئة على المدى البعيد. هذا السؤال نفسه الماكر قد يلقى في جلسة عائلية جميلة على الأم فيسألها أبناؤها "أي واحد منا تحبين أكثر؟"، هذا المنزلق النفسي الذي قد تقع فيه الأم بمجرد نطقها اسم أحد الأبناء، سيكون أثره مؤلما إلى تلك الدرجة التي لا يمكن نسيانها، وربما يتسبب في النفور والكراهية والغيرة بين أبنائها، ولذلك حين سئلت أعرابية: من أحب أولادك إليك؟ قالت: المريض حتى يشفى والمسافر حتى يعود والصغير حتى يكبر، هذه الحكمة العميقة توضح عقلانية الاختيار لحالات معينة ترفع الحرج عن الأم حين تغلبها مشاعرها، وفي الوقت نفسه يتفهم الأبناء أنها حالات خاصة ستعود إلى طبيعتها بمجرد انتهاء أسبابها.
لا تجعلوا أنفسكم في موقف اختيار لأبنائكم وأحبتكم، وارفضوا هذا السؤال الماكر "مين تحب أكثر؟" جملة وتفصيلا، واجعلوه من الأسئلة المسجلة على قائمتكم السوداء، أن يشعر من يحبك أنك قد تقصيه وتفضل سواه عنه فكأنك قد ذبحت أحاسيسه وأحرقت مشاعره وصنعت منه شخصا آخر سيعيد التفكير في علاقته معك، وربما قام بردم كثير من ينابيع الحب تجاهك في قلبه.
لا تثيروا غيرة الأبناء والإخوان والوالدين والأصدقاء والزوج المتزوج باثنتين أو أكثر بهذا السؤال الماكر، وارفضوا بكل قوة الإجابة عنه، فقد تقضون بقية حياتكم في محاولة ترقيع ثقوب غير قابلة للترقيع.
وخزة:
أتمنى أن نجعل هذا السؤال من الأسئلة المحظور سؤالها للأطفال، لأنها ستصل إلى عقل الطفل على هيئة رسالة تخبره أن بإمكانه الاستغناء عن شخص يحبه بكل سهولة ودون أدنى اهتمام بمشاعر ذلك الطرف.