أوروبا تحتاج إلى استراتيجية جديدة لحل عقدة أوكرانيا
إن القرار الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي ببدء محادثات الانضمام مع أوكرانيا يمثل انتصارا رمزيا وليس انتصارا عمليا. ومع كفاح أوكرانيا لتأمين المساعدات الحاسمة، وفشل هجومها المضاد في تحقيق أهدافها، فقد حان الوقت لإعادة تعريف ما يشكل نصرا أوكرانيا وهزيمة روسيا وفقا لمارك ليونارد، مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، هو مؤلف كتاب "عصر عدم السلام: كيف يسبب الاتصال الصراع" (مطبعة بانتام، 2021).
لقد استغرق الأمر ثماني ساعات من زعماء الاتحاد الأوروبي ـ وهو وقت قصير نسبيا وفقا لمعايير الاتحاد الأوروبي ـ للموافقة على بدء مفاوضات الانضمام مع أوكرانيا. وفي حين يمثل هذا القرار انتصارا كبيرا للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فقد جاء بتكلفة باهظة، حيث قام رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بمنع صرف 50 مليار يورو (55 مليار دولار) من المساعدات التي تحتاجها أوكرانيا بشدة للدفاع عن نفسها. ومع اقتراب الحرب من ذكراها السنوية الثانية، تجد أوروبا نفسها في مأزق مزدوج.
ترتكز استراتيجية الاتحاد الأوروبي في التعامل مع أوكرانيا على ثلاث ركائز رئيسة. فأولا، التزم الزعماء الأوروبيون بتعريف النصر الذي يعني ضمنا استعادة سلامة أراضي أوكرانيا، وتعهدوا بدعم أوكرانيا إلى أن تستعيد كل الأراضي التي احتلتها روسيا خلال المراحل المبكرة من الحرب.
ثانيا، كانت سياسة أوروبا تجاه روسيا تركز بالكامل على العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية. وقد فرت الشركات الغربية من سان بطرسبرج وموسكو بشكل جماعي، وفرضت مجموعة السبع سقفا لأسعار النفط الروسي، وتم طرد مئات الدبلوماسيين الروس من العواصم الغربية.
وأخيرا، بلغ اعتماد أوروبا على الدعم الأمريكي مستويات غير مسبوقة منذ الحرب الباردة. على الرغم من التنافس المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين، فقد خصصت إدارة الرئيس جو بايدن موارد دبلوماسية واقتصادية وعسكرية كبيرة لضمان أمن أوروبا واستقرارها.
ونتيجة لذلك، تمكنت أوكرانيا من الاحتفاظ بما يقرب من 82 في المائة من أراضيها قبل الحرب، في حين تكبدت روسيا خسائر كبيرة في الأفراد والموارد. علاوة على ذلك، أصبح التحالف عبر الأطلسي ـ الذي عد ميتا خلال ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب ـ الآن أقوى مما كان عليه في أي وقت منذ نهاية الحرب الباردة.
لكن الركائز الثلاث بدأت في التذبذب. وفي حين أحبطت الحيل الإجرائية محاولة أوربان لاستخدام حق النقض ضد انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، فإن القرار يعد انتصارا رمزيا لأوكرانيا أكثر من كونه انتصارا عمليا، نظرا لأنه لا يعالج التأخير المستمر في المساعدات المالية الحاسمة. وفي ساحات القتال في شرق أوكرانيا، وصلت الحرب إلى طريق مسدود لمصلحة روسيا، حيث فشل الهجوم الأوكراني المضاد، المثقل منذ البداية بتوقعات غير واقعية، في تحقيق أهدافه المعلنة.
علاوة على ذلك، أصبحت فاعلية العقوبات المفروضة على روسيا موضع شك بعد أن كشف تحقيق أجرته مجلة "بوليتيكو" أخيرا أن القيود الغربية كانت أقل تدميرا بكثير مما كان متوقعا في البداية. وبينما يقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بجولة في الشرق الأوسط وتهديده بفتح جبهات أوروبية جديدة، هناك إجماع ناشئ في واشنطن على أن الولايات المتحدة ستحتاج إلى التعامل مع موسكو بعد الانتخابات الرئاسية في 2024.
ويشكل تراجع اهتمام أمريكا بالحرب في أوكرانيا التهديد الأكبر لاستقرار أوروبا. ويتمثل القلق الأكبر لدى الزعماء الأوروبيين في عودة ترمب المحتملة إلى البيت الأبيض في 2025، حيث بدأت مؤسسات الفكر والرأي اليمينية بالفعل في وضع خطط لحلف شمال الأطلسي الخامل والدعوة إلى التحول من تقاسم الأعباء إلى "تحويل الأعباء".
لكن المشكلة تتجاوز ترمب. وحتى إدارة بايدن، التي لعبت دورا فاعلا في تنسيق الدفاع في أوكرانيا، يبدو أنها غيرت لهجتها. وفي مؤتمر صحافي عقده أخيرا مع زيلينسكي، قدم بايدن عبارة جديدة، قائلا إن الولايات المتحدة ستدعم أوكرانيا "لأطول فترة ممكنة"، التي حلت محل عبارة "لطالما استغرق الأمر". وكان زيلينسكي، الذي سافر إلى واشنطن لمناشدة المشرعين الجمهوريين للموافقة على حزمة مساعدات كبيرة وفشل في تحقيق انفراجة، يشعر بالإحباط بشكل واضح.
ويسلط التحول الخطابي لبايدن الضوء على المعضلة التي تواجه حلفاء أوكرانيا الأوروبيين، كما يسلط الضوء على الحاجة الملحة لأن تعيد أوروبا التفكير في استراتيجيتها. فبادئ ذي بدء، لا ينبغي لتعريف النصر الأوكراني أن يقتصر على الأراضي التي تمت استعادتها من روسيا. ولا تقل طبيعة وهوية أوكرانيا ما بعد الحرب، خاصة التزامها بالمبادئ الديمقراطية، أهمية مماثلة. وإذا خرجت أوكرانيا من هذه الحرب كدولة ديمقراطية نابضة بالحياة وأصبحت عضوا في منظمة حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، فسيشكل ذلك نصرا مذهلا، بصرف النظر عن المكاسب الإقليمية المحددة.
وبالتالي، يتعين على الدول الغربية التركيز على دعم أوكرانيا في تحقيق هذه الرؤية. ويتعين على الأوروبيين أن يساعدوا أوكرانيا على إصلاح اقتصادها وصناعتها الدفاعية حتى تصبح البلاد أقل اعتمادا على تقلبات السياسة الداخلية الغربية. وهذا من شأنه أن يمكن أوكرانيا من إنشاء آليات مستدامة ماليا للدفاع عن نفسها ضد العدوان الروسي. وبدلا من انتظار انتهاء الحرب، يتعين على الحكومات الغربية أن تساعد أوكرانيا على إعادة بناء اقتصادها وقاعدتها الضريبية بينما لا يزال الصراع مستمرا.
ولابد أن تسير عملية إعادة تعريف النصر الأوكراني هذه جنبا إلى جنب مع فهم جديد لما يشكل هزيمة روسية. ولأن الحرب من غير المرجح أن تنتهي مع وجود بوتين ورفاقه في قفص الاتهام في لاهاي، يتعين على زعماء الاتحاد الأوروبي أن يتصدوا للتحديات طويلة الأجل التي يفرضها الصراع متعدد الأوجه بين روسيا وأوروبا، بما في ذلك أزمة الطاقة، والاضطرابات السياسية، والصراعات الجيوسياسية. عدم الاستقرار. إن الصراع المطول مع النظام الروسي يتطلب استراتيجية شاملة تشتمل على إنشاء قنوات لفهم وتوقع نيات الكرملين وتكتيكاته.
وبغض النظر عمن سيحتل المكتب البيضاوي في يناير 2025، يتعين على أوروبا أن تقلل من اعتمادها على الولايات المتحدة. وهذا يعني إنفاق المزيد على الدفاع وتطوير استراتيجية مشتركة فاعلة. إن السماح لدولة عضو واحدة باختطاف أجندة السياسة الخارجية للكتلة بالكامل، كما فعلت المجر، أمر غير مستدام ويتعارض مع طموح الاتحاد الأوروبي لتأكيد نفوذه في عالم متعدد الأقطاب.
وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن اجتماع المجلس الأوروبي هذا الشهر ربما يكون قد وضع الأساس لرؤية جديدة لأوروبا. لقد اتسم العامان الماضيان بتوافق غير متوقع بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، حيث اكتشفت فرنسا حماسا متجددا لأوروبا الشرقية والتوسع، وأبدت ألمانيا اهتماما متزايدا بالدفاع. وحتى إيطاليا يبدو أنها تجاوزت علاقة الحب السابقة مع روسيا، وتعمل المملكة المتحدة على إحياء علاقتها مع الاتحاد الأوروبي ببطء.
ومع اقتراب الانتخابات الحاسمة في أوروبا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الأفق، يظل مستقبل التحالف عبر الأطلسي في حالة تغير مستمر. ومن أجل البقاء وسط التحولات الإقليمية والعالمية، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يستغل هذه الفترة من عدم اليقين والتغيير لتطوير استراتيجية من شأنها أن تمكن الكتلة وأوكرانيا من التغلب على تحديات الأعوام المقبلة.