في 2024 .. 76 دولة مقبلة على انتخابات
يستحق عام 2024 وصف "عام الانتخابات"، فقد حصرت وحدة الاستخبارات الاقتصادية في صحيفة "ذي إيكونوميست" 76 دولة في العالم، مقبلة على انتخابات خلال العام الجاري "رئاسية أو تشريعية أو إقليمية أو محلية"، بتعداد سكاني يقدر بنحو 4,2 مليار نسمة، ما يعادل نصف سكان كوكب الأرض، ومساهمة في الناتج الاقتصادي العالمي بأكثر من 60 في المائة. رقم قياسي غير مسبوق في تاريخ الممارسة الانتخابية، منذ تأسيس حق الاقتراع عام 1792 في فرنسا.
إجراء الانتخابات في معظم الدول المتصدرة قائمة أكبر الديموغرافيات في العالم، يعني أن أكبر عدد من الأشخاص سيتجهون إلى صناديق الاقتراع، في عام انتخابي بامتياز، يعد أكبر مشهد للديمقراطية في التاريخ البشري، ربما لن يتكرر بالحجم ذاته حتى عام 2048، ما دفع خبراء إلى اعتبار هذا العام مصيريا في تحديد مستقبل الديمقراطية حول العالم، ومدى التزام الشعوب والحكومات بمبادئها ومؤسساتها، فالظاهر أن الثقافة السياسية في مختلف أرجاء العالم على المحك.
فمن شأن بعض من هذه الانتخابات زيادة المد القومي اليميني المتنامي عالميا في عدد من الدول، بإيصال أحزاب قومية ومتطرفة إلى مواقع القرار في السلطتين التنفيذية والتشريعية. عكس انتخابات أخرى حيث يتوقع أن تعود القوى الديمقراطية المعتدلة إلى الواجهة بعد سنوات عجاف من الشعبوية والراديكالية. عموما، تختلف التداعيات من دولة إلى أخرى، فأحيانا تقتصر آثارها على حدود البلد الواحد، وتمتد في أخرى لتشمل دولا مجاورة، وربما مستقبل النظام العالمي برمته.
افتتحت بنجلادش، ثامن دولة كثافة سكانية في العالم "170 مليون نسمة"، موسم الانتخابات، في 7 من الشهر الجاري يناير، بانتخابات برهانات محلية، منحت الشيخة حسينة رئيسة الوزراء، حزب رابطة عوامي، ولاية خامسة في السلطة، وسط مقاطعة لأحزاب المعارضة التي اعتبرتها مسرحية، وصاحبتها أحداث عنف في عدد من المراكز. بخلاف الوضع في تايوان الديمقراطية الآسيوية الصغيرة التي شهدت يوم السبت الماضي انتخابات رئاسية وبرلمانية ظلت محل رصد وتتبع صيني، لما لنتائجها من تداعيات على العلاقة بين واشنطن وبكين، فضلا عن تأثير في استقرار الوضع في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
في آسيا دائما، ينتظر أن يتجه 127 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، في 8 فبراير المقبل، في انتخابات عامة في باكستان، لا يزال كل شيء غامضا بشأنها، فعمران خان رئيس الوزراء السابق مقيد بحكم قضائي، بينما عاد نواز شريف من منفاه الاختياري، في لندن، لمدة أربعة أعوام لأجلها، في منافسة تحمل تداعيات على استقرار الأوضاع داخليا وإقليميا. أسبوع بعد ذلك، ستشهد إندونيسيا بدورها انتخابات أقل حدة من نظيرتها في باكستان، على اعتبار الحظوظ الوفيرة لوزير الدفاع بعد الصفقة المبرمة مع الرئيس المنتهية ولايته.
غير بعيد، تستعد الهند، أكبر ديمقراطية في العالم، وأسرع الاقتصادات نموا في العالم، لانتخابات برلمانية، في أبريل المقبل، تحدد مصير البلد لأربعة أعوام مقبلة، تؤطرها حسابات اختلط فيها المحلي بالإقليمي والدولي، قطباها الحزب الحاكم بقيادة مودي رئيس الوزراء اليميني، والتحالف المعارض بقيادة راهول غاندي زعيم حزب المؤتمر. وقبل ذلك، سيتابع العالم محطة انتخابية في روسيا، اعتبرها مراقبون شكلية لتجديد الثقة بالرئيس الحالي فلاديمير بوتين، الذي أقدم على تعديلات دستورية عام 2020 منحته الحق في الترشح لولايتين جديدتين مدة كل منهما ستة أعوام، ما يضمن له البقاء في الرئاسة حتى عام 2036.
سبع دول في أمريكا اللاتينية على موعد مع الانتخابات، هي: بنما والسلفادور والبيرو والأورجواي وفنزويلا والدومنيكان، وتبقى رئاسيات المكسيك في 2 يونيو أهم انتخابات في القارة، حيث ستتنافس، لأول مرة في التاريخ، سيدتان هما: كلادويا شينباوم، رئيسة بلدية مكسيكو السابقة ممثلة لحزب مورينا اليساري الحاكم، مع سوتشيل جالفيس عضوة مجلس الشيوخ عن تحالف المعارضة، على منصب الرئاسة لخلافة الرئيس المنتهية ولايته أندريس أوبرادور، لقيادة ثاني أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية. ويمثل ذلك رسالة قوية في دولة تشهد سنويا آلاف حوادث قتل النساء.
القارة العجوز على موعد مع أكبر عملية تصويت عابرة للحدود في العالم، بإجراء انتخابات البرلمان الأوروبي، على مدى أربعة أيام، ما بين 6 و9 يونيو المقبل، يشارك فيها أكثر من 400 مليون أوروبي من مواطني الدول الأعضاء لاختيار 720 برلمانيا للولاية التشريعية المقبلة "2024 - 2029"، مع تخوفات من تداعيات ارتفاع الدعم الشعبي للأحزاب ذات التوجهات العنصرية والشعبوية المعادية للأجانب في المؤسسة التشريعية الأوروبية، خاصة أن دولة المجر من سيتولى رئاسة الاتحاد، في النصف الثاني من عام 2024.
بعد هدوء نسبي أعقب اضطرابات سياسية، استمرت طيلة عامين مع ثلاثة رؤساء وزراء، ستسلط الأضواء من جديد على بريطانيا، حيث يتوقع أن تجرى المنافسة التقليدية، خريف العام الجاري، بين حزب المحافظين الحاكم حاليا وحزب العمال المعارض، مع تباين في الآراء حول التوقعات بشأن من سيكون في داوننج ستريت، فتارة تكون لمصلحة ريشي سوناك رئيس الوزراء الحاكم، وأخرى لكير ستارمر زعيم حزب العمال.
للقارة الإفريقية نصيب من العرس الانتخابي العالمي، فعدد من الدول على موعد مع محطة انتخابية رئاسية أو تشريعية أو محلية، أهمها: رئاسيات السنغال أواخر شهر فبرايرالمقبل، وفي كل من موريتانيا ورواندا صيف العام الجاري. ويبقى الغموض سيد الموقف بشأن مواعيد رئاسيات تونس والجزائر التي حل موعدها هذا العام. وتشهد دول أخرى تشريعيات كما هي الحال في جنوب السودان وجنوب إفريقيا وغانا وموزمبيق وناميبيا.. يبقى غياب الصراع وضعف المؤسسات أكبر تهديد لهذه الانتخابات في القارة، فحلول الموعد لا يعني بالضرورة إجراءها، وتنظيمها لا يعني بالضرورة التقيد بنتائجها، ما يجعل إفريقيا استثناء فعلا.
من الولايات المتحدة إلى كندا والبرازيل وكرواتيا وألمانيا والنمسا ورومانيا وإسبانيا والبرتغال وجورجيا وفنلندا وكمبوديا وكوريا الجنوبية وسيريلانكا وتركيا وإيران والأردن وأستراليا وجزر سليمان.. استحقاقات انتخابية بدرجات متفاوتة، ولا سيما أنها تجرى مع تزايد انعدام الثقة بالحكومات، ما يولد قلقا عميقا لدى الناخبين بشأن استقرار الأوضاع، حتى قيل إن هذه الانتخابات ستقود إلى تحولات بعيدة المدى في قضايا السياسة الداخلية والخارجية، ما يعني انعدام اليقين حول ما سيكون عليه العالم بنهاية عام 2024.