التنمية المستدامة في حياة المؤسسين والأجداد

بينما نحتفي في الـ22 من فبراير 2024 بيوم التأسيس، دعونا نستحضر معا ثلاثة قرون متواصلة من جميل الخطى المستدامة منذ نشأة الدولة السعودية الأولى إلى وقتنا الحاضر التي كانت هي اللبنة الأساسية في استمرار روح الثقافة السعودية ونموها وترعرها وازدهارها إلى يومنا هذا. لقد تشكل مفهوم الاستدامة اللاإرادي أو المتكيف مع طبيعة الحياة المحيطة عند أجدادنا وأسلافنا في البدايات للتغلب على أعباء الحياة القاسية في شبه الجزيرة العربية، ولذلك قد يكون التعريف الصريح للاستدامة آنذاك هو القدرة على التكيف مع الأجواء القاسية وأعباء الحياة وإمكانية البقاء على قيد الحياة لأطول وقت ممكن كما في أقصى الحالات وأشدها صعوبة عند ندرة الموارد والروافد الأساسية للحياة كالماء والغذاء. الأمثلة في الممارسات المستدامة والمستخدمة قديما كثيرة منها شد الرحال لمسافات طويلة بحثا عن مصادرلاستدامة الحياة كالبحث عن مصادر المياة الجوفية أو الذهاب للأماكن الممطرة التي تنبع بالحياة لرعي المواشي والإبل لضمان العيش الكريم في المناطق الجافة والحارة (القدرة على التكيف مع الظروف المحيطة). أيضا كان هناك استخدامات مستدامة من جلود المواشي مثل صناعة الجلود ودباغتها واستخراج منتجات أصيلة في الثقافة السعودية مثل "القربة" أو"السعن" كأدوات لحفظ الماء وصناعة الألبان وغيرها كاستخدام شعر وفرو المواشي في بناء الخيام، حيث يعد مثالا حيا لـ"الاستخدام الأمثل للمواد".

تلا تلك النشأة الأصيلة للثقافة السعودية التي دامت لفترات طويلة طفرة نفطية في السبعينيات الميلادية كانت ولا تزال بفضل الله حجر الأساس لوضع أسس الاستدامة الاقتصادية للسعودية بدأ من خلالها التطور الاقتصادي والعمراني والصناعي في التوسع حتى طال أرجاء البلاد من أدناها إلى إقصاها. لكن هذا التطور السريع كان له بعض التأثيرات السلبية على مفهوم الاستدامة الشامل ذي الأبعاد الثلاثة، وهي البيئة والاقتصاد والمجتمع، حيث كانت الأبعاد البيئية على وجه الخصوص شبه غائبة في تلك الفترة إلا في بعض المشاريع والمناطق ذات الأثر الكبير والواضح على البيئة. في السياق نفسه وفي الجانب الاجتماعي تحديدا، ترسخت الثقافة السعودية في المجتمع رغم التمدن الذي عزز واستحضر مفاهيم أصيلة ومستدامة في الثقافة السعودية كحسن الضيافة والاستقبال، القهوة العربية، والتقاليد المتنوعة في اللباس والمأكل والمشرب وغيرها بنمط حديث لا يساوم على أصالته إلا غير منصف حتى أن تلك الخيمة البدوية السوداء قد تزينت بها المباني المسلحة كأولى انطبعات الضيافة في المساكن الحديثة خصوصا في فصل الشتاء.

ثم تأتي رؤية السعودية 2030 في عهد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز وبقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتأصيل أوثق عرى الاستدامة اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا وأيضا ثقافيا كبعد أساسي وأصيل في التنمية المستدامة في السعودية بشواهد كثيرة أقربها هو إعلان يوم التأسيس كيوم وطني راسخ ومتجذر في أسس الدولة وأصالتها واستدامتها بإذن الله. أيضا من الشواهد إنشاء وزارة الثقافة والهيئات التابعة لها في خطوة استراتيجية مهمة لعدم اندثار الثقافة أو ذوبانها في ظل كثير من المتغيرات والتطورات التكنولوجية، الجيوسياسية، العولمة، ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها. الجدير بالذكر أن قوة وعمق الثقافة السعودية أصبحت مؤثرا إيجابيا على روافد الاقتصاد حتى رأينا إنشاء شركة تابعة لصندوق الاستثمارات العامة تعنى بالقهوة لضمان استدامة سلاسل الإمداد الخاصة بها وكرافد اقتصادي يتناغم مع أهداف تنويع مصادر الدخل للدولة وبصبغة وجهها الأول هو الاقتصاد و وجهها الآخر ثقافي بحت. أيضا نشاهد إنشاء كيانات خاصة بالسياحة والضيافة وشؤون الإبل وغيرها في خطى حثيثة لربط مفاهيم الثقافة مع الاستدامة الاقتصادية والرفاه الاجتماعي والبيئي.

إن الطريق نحو تنمية مستدامة واضح وجلي تحت سقف رؤية السعودية 2030 وما سيتلوها من رؤى للأعوام التي تليها بإذن الله، وعلينا جميعا الاعتزاز بالثقافة السعودية الأصيلة ولا سيما في مثل هذه الأيام لأنه لا معنى حقيقيا لاستدامة أمة أو حضارة دولة إلا بثوابتها الدينية والثقافية المتناغمة مع أساسيات الاستدامة الأخرى اجتماعيا وبيئيا واقتصاديا وسياسيا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي