الالتزام البيئي .. مسؤولية من ؟

اختتم هذا الأسبوع المنتدى الأول للالتزام البيئي، الذي انعقد أخيرا في الرياض بحضور واسع شمل عديدا من الجهات الحكومية والقطاع الخاص والقطاع غير الربحي. هذا الحراك البيئي الذي يقوده المركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي - رغم النشأة الحديثة نسبيا للمركز في نهاية 2020 - يشكل منعطفا في تعزيز أسس الاستدامة البيئية في السعودية وتأثيراتها العابرة للحدود، التي تطول شتى الاستراتيجيات الوطنية العامة والخاصة لإدراج البعد البيئي كأحد أهم العناصر الرئيسة في تكوين الرؤى والمستدامة على كافة الأصعدة. دعونا نسترجع الذاكرة قليلا إلى الوراء وتحديدا في 2020 عند صدور الموافقة الكريمة على نظام البيئة ولوائحة التنفيذية، بموجب المرسوم الملكي رقم (م/165) وتاريخ 17/07/2020 حيث ألغيت الهيئات السابقة المعنية بالبيئة (الأرصاد وحماية البيئة والحياة الفطرية) ليتم استحداث أدوات عبقرية لإدارة منظومة البيئة وقيادة التحول الأخضر وفق استراتيجية موحدة وملزمة لكافة القطاعات الحيوية العاملة في المملكة، مصحوبة بأذرع تنفيذية تمثلت في إنشاء المراكز البيئية الخمسة التي شرعت على الفور في قيادة الاستراتيجيات التنفيذية والنظامية لإيجاد "الطفرة الخضراء" وزارة البيئة والزراعة والمياه. وتضم المراكز المنشأة حديثا: المركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي والمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر والمركز الوطني للأرصاد والمركز الوطني لإدارة النفايات، وجميعها مرتبط بصندوق البيئة الذي يهدف إلى الاستدامة المالية لقطاع البيئة، وتوفير الممكنات اللازمة للنهوض بهذا القطاع من خلال المساهمة في دعم الميزانيات التشغيلية للمراكز البيئية، ودعم البرامج والدراسات والمبادرات البيئية، وتحفيز التقنيات الصديقة للبيئة، والارتقاء بالأداء البيئي وبرامج إعادة تأهيل البيئة. هنا وبعد أن عرفنا تفاصيل النشأة البيئية الحديثة في السعودية التي تتناغم مع تطلعات القيادة الأخرى سواء الاقتصادية، أو الصناعية، أو التجارية، أو التقنية، أو الاجتماعية وغيرها، يجب علينا فهم وحصر الأدوار المناطة بكل قطاع حيوي يعمل، وذو أثر بيئي محتمل، لأن مسؤولية الالتزام البيئي مسؤولية مشتركة وليست على عاتق الجهة المعنية وحدها. فبينما يكمن دور المركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي في مراقبة التزام كافة الأنشطة التنموية بالأنظمة والمعايير والاشتراطات البيئية المعتمدة ووضع الضوابط والاشتراطات البيئية، ومتابعة إنفاذ الأنظمة واللوائح البيئية لتحقيق تطلعات القيادة الرشيدة حيال الارتقاء بالالتزام البيئي وتحقيق التوازن بين التنمية وحماية البيئة، فإن الدور الأساسي يقع على عاتق الجهات المعنية سواء القطاع الخاص أو العام أو حتى على مستوى الأفراد تجاة الالتزام البيئي، الذي هو أساس أصيل في معنى التطبيق الفاعل لأهداف التنمية المستدامة، أما بعض الشعارات الرنانة حول الاستدامة من دون تطبيق فاعل لإحدى ركائزها، فليس هو المطلب ولا المأمول في هذه الحقبة التنموية القاهرة لكل التحديات المعلومة، وحتى المجهول منها، بتوفيق الله. إن البنية التحتية التنظيمية والتشريعية للبيئة واضحة وجلية ويتبقى الأخذ بزمامها التطبيقي والالتزام الفاعل من كافة الأطراف ذات الانشطة المؤثرة في البيئة، حيث تجاوزت تكلفة التدهور البيئي في السعودية أكثر من 86 مليار ريال سنويا، بحسب دراسة سابقة للبنك الدولي، ما يدق ناقوس الخطر ليس بيئيا فحسب، بل حتى اقتصاديا، من خلال ضخ الأموال الطائلة على الحلول الممكنة لتقاعس بعض الجهات عن القيام بأدوارها الأساسية على أكمل وجه، أو حتى اجتماعيا، لما لذلك التدهور البيئي من تبعات تعمل على تدهور صحة الإنسان والاستنزاف الحقيقي لجهود رفع جودة الحياة من خلال برامج "الرؤية" المتعددة. وفي النهاية، يبقى دور الالتزام البيئي على عاتق الجميع سواء كيانات أو أفرادا، شتى أو فرادى، لإيجاد الحلول المبتكرة في سياق عملي ووفق استراتيجيات وخطط تنفيذية فاعلة للخروج من مرحلة الحد من أضرار التدهور البيئي في بعض مناطق السعودية، إلى الريادة في التطبيقات الحديثة للتقنيات والمعايير البيئية، التي من شأنها رفع مستوى الأداء البيئي للقطاعات التنموية والوصول بعد مرحلة الالتزام البيئي التام إلى مرحلة "الارتقاء البيئي"، في قفزة نحو الانتقال من مرحلة الدفاع إلى الهجوم الفاعل لإدارة التغيير البيئي المستدام محليا وعالميا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي