تغير المناخ ومناخات السياسة

تُعد التغيرات المناخية تحديا متعدد الأوجه، ولا سيما ما يكمن منها خلف أروقة السياسة أو أوراق الدراسات العلمية أو حتى الحلول العملية والاستباقية. ولو أخذنا مفهوم التغير المناخي بشكل عام فإن مناخ كوكبنا لا يعدّ ثابتًا في الأصل عبر الفترات الزمنية المتباعدة، بل يتقلب بشكلٍ طبيعي بمرور الوقت من خلال الدورات المناخية، ولذلك فإنّ الكثير يرون أن اتجاه الاحترار الحالي يحدث بوتيرة أسرع بكثير وبحجم أكبر بكثير مما لوحظ في الماضي حسب بعض الدراسات المتعلقة بالتغير المناخي، حيث يؤدي هذا التغير السريع الذي يرجع بشكلٍ أساسي إلى الأنشطة البشرية المساهمة في تعطيل أنماط الطقس، وإذابة الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية، وارتفاع مستويات سطح البحر وارتفاع معدلات التصحر إلى إحداث العواقب غير المرغوب فيها من الأحداث الجوية المتطرفة إلى الانقراض الجماعي للكائنات الحية وحرائق الغابات التي يتم الشعور بها بالفعل، حيث من المتوقع أن تزداد سوءًا بشكلٍ كبير إذا لم تتخذ الدول إجراءات مدروسة بواقعية تكون ذات تأثير ليس في تقليل آثار التغير المناخي فحسب، بل لتكون أدوات حقيقية لاستدامة الحياة الطبيعية على الكوكب.
لكنه في واقع الأمر وفيما يتعلق بالمشهد السياسي المتعلق بالمناخ فإنه غالبًا ما تتشابك الحاجة الملحة لمعالجة تغير المناخ مع الحقائق السياسية، حيث يواجه البعض ضغوطًا لتقديم الأولوية للمخاوف الاقتصادية قصيرة المدى ومصالح مجموعات الضغط القوية على الاستدامة البيئية طويلة المدى، حيث إن تغير المناخ يبقى قضية عالمية تتطلب تعاونًا دوليًا، لكن المصالح الوطنية يمكن أن تجعل من الصعب التوصل إلى اتفاقيات بشأن أهداف خفض الانبعاثات وآليات تنفيذها خصوصاً إذا ما تم "تسييس" المواضيع المتعلقة بالمناخ أو بعض الدراسات التي تصب في مصلحة طرف على حساب أطراف أخرى كما نشاهد في شيطنة بعض الدول للوقود الأحفوري مع زيادة الطلب في استخدامه عالمياً، وفي نفس الدول المنتقدة، في نفاق صريح وازدواجية معيارية في منظومة القيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدى بعض الدول.
وحيث تُعد مؤتمرات الأطراف مسرحاً للعمل المناخي العالمي فإن مؤتمر الأطراف COP هو القمة السنوية التي تجتمع فيها البلدان بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ UNFCCC لمناقشة التفاوض بشأن العمل المناخي، حيث تهدف هذه المؤتمرات إلى تحديد أهداف دولية لخفض الانبعاثات، وتعزيز التنمية المستدامة، وتقديم المساعدة المالية للدول النامية للتكيف مع المناخ باعتبارها مسرحاً لنفوذ القرارات الدولية المناخية، التي تُلزم الدول ببذل كل الجهود لإبقاء مصالحها الوطنية فوق كل شيء حتى على المناخ نفسه إذا لزم الأمر، وهو أمر طبيعي لكنه من غير الطبيعي شيطنة ممارسات معينة على حساب أخرى حسب المنطقة الجغرافية أو حتى العرقية في بعض الأحيان.
وبينما تتوافر الأدلة العلمية من المجتمع العلمي على أنّ الأنشطة البشرية هي الدافع الرئيس للاحتباس الحراري عبر توافر عقود من البحث عن أدلة مقنعة مثل ارتفاع درجات الحرارة العالمية، ذوبان الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية، ارتفاع مستويات سطح البحر، والأحداث الجوية المتطرفة بشكلٍ متزايد، في إشارة إلى كوكب أكثر دفئاً من ذي قبل، إلا أنه توجد وجهات نظر معارضة لشبه الإجماع العلمي، تدور شكوكها حول الشك العام في بعض المراكز البحثية التي تدعم وجهة نظر معينة على حساب أخرى حول العالم.
ويبقى السؤال المهم والداعم للمناخ السياسي وسياسات المناخ حول الدور الذي تقوم به المؤسسات البحثية والعلمية السعودية حول نشر الدراسات المناخية المرتبطة بالمناخ العالمي من وجهة نظر سعودية والمساهمة في تعزيز مواقف منظومتي الطاقة والبيئة في المحافل الدولية، والأهم دعم المبعوث الخاص للتغير المناخي في مواجهة ما سماه "النفاق" حول بعض المواقف العالمية تجاه النفط، ومواجهة تلك الدراسات المناخية بالحقائق العلمية والحلول العملية لدينا، في موقف واضح وصريح ضد أي توقعات غير واقعية حول مستقبل الطاقة والبيئة والمناخ، يرسمها البعض خارج حدود المنطق، وأيضاً خارج حدود السعودية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي