هل هناك سقف لتضخم شركات التكنولوجيا؟

 أستخدم مفردة التضخم هنا ليس بالمعنى الاقتصادي الشائع الذي عادة يشير إلى الازدياد المفرط في المستوى العام للأسعار والخدمات ويكون مضرا إن طالت الخدمات والمواد الاستهلاكية الأساسية.
 هنا أحصر المفردة في معناها العام وهو الانتفاخ وازدياد الحجم بصورة ملحوظة، كأن نقول: انتفخت بطنه أو انتفخ ساقه، بمعنى أن حجم البطن والساق يثيران الانتباه والتعجب مقارنة بما هو طبيعي.
وطبيعتنا البشرية مجبولة على التركيز على الحجم، ونتصور، رغم أن التاريخ يثبت عادة عكس ذلك، أن ضخامة الحجم هي الطريق إلى الأمان والمستقبل. كلما كبر حجم شركة أو جيش أو بلد وما إلى ذلك، زاد إعجابنا أو في أقل تقدير اهتمامنا. 
وتضخم الحجم يأتي في أشكال مختلفة. الشركات عامة والتكنولوجية منها خاصة تحققه في نمو الثروة والإيرادات والربح ومن ثم القيمة السوقية التي تقدر بضرب عدد الأسهم بسعر السهم الواحد في البورصة.
وهكذا الدول حيث يقاس حجمها مثلا بالمساحة، أو عدد السكان، أو عدد الجيش وأنواع الأسلحة التي في حوزته، ومؤشر الثروة الذي يقاس عادة بدخل الفرد السنوي وحجم الاقتصاد استنادا إلى قيمة الإنتاج القومي الإجمالي.
والأفراد أيضا يقعون في خانة التضخم بالمفهوم الذي ذكرناه وقياس التضخم يتكئ على قيمة الفرد من حيث الثروة. وأظن أغلبنا على اطلاع على قوائم أصحاب الثروة في العالم وضخامة الثروة التي يملكونها.
وتأتي قوائم تضخم الثروة في أشكال إن كانت للدول أو الشركات أو الأفراد. هناك مجلات مختصة وشهيرة تنشر لنا بين الفينة والأخرى تسلسل تضخم الثروة، مثلا عن أثرياء الصين، أو الشركات الصينية. والتضخم بالمعنى الذي أتينا به لم يعد مادة للإعلام وحسب، بل صار مادة دراسية وبحثية على مستوى الجامعات في العالم.
وأزيد من الشعر بيتا وأقول إن النظام الرأسمالي ذاته قائم على تضخم الثروة، وفي اللحظة التي تتوقف عجلة النمو قد يحدث ما لا يكون في الحسبان وهذا ما تخشاه كل الشركات لأن انخفاض النمو -تضخم الثروة- له تبعات على أسعار الأسهم وقيمة الشركة. وإن علمنا مثلا أن الأفراد في أمريكا -الدولة الأغنى في العالم والمسيطرة على التبادل التجاري والمالي فيه- يوظفون أغلب ثروتهم الشخصية في الأسهم، عرفنا لماذا الاهتمام.
كل هذا ويبدو أننا ننسى أن هناك سقفا لتضخم ونمو الدول والشركات والمؤسسات والأفراد. ولا حاجة إلى استذكار التاريخ لأن أضخم الشركات قبل ثلاثين سنة تزحزحت ومنها من تقزم وحلت محلها شركات تكنولوجية صارت من الضخامة ما يبهر الأبصار وقد يوقف شعر الرأس. 
والذين هم في عمري لا بد أن يتذكروا كيف أن ضخامة الدول، وفي فترة قصيرة مثل هذه، لم تبق على حال. كان قصب السبق لألمانيا وإنكلترا وأزاحتهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق. اليوم نتحدث عن الصين وفي الطريق الهند والبرازيل وإندونيسيا. وقد نعيش ونكون شهودا لتغييرات جوهرية في حجم الدول وخارطة العالم في العقدين المقبلين.
من النظريات الاقتصادية التي تجذبني كثيرا هي التي يستند إليها علم الاقتصاد التطوري الذي استوحاه علماء الاقتصاد من علوم الأحياء. باختصار شديد، حسب هذا العلم، الشركات والاقتصاد أيضا، مثل الأحياء التي تولد وتتضخم وتنمو وتشيخ وتموت وتحل محلها أحياء أخرى.
لن يبقى شيء على حال والدول والمؤسسات والشركات والأفراد مثلهم مثل الأحياء، ومن العلماء من يشبه كوننا بالأحياء.
سقت هذا بعد التراجع المخيف في القيمة السوقية لشركة "إنفيديا"، رمز الثروة والذكاء البشري وتراجع حجمها بنحو 430 مليار دولار وبفترة وجيزة وصفها المحللون بأنها الأكبر في التاريخ. 
نعم هناك سقف للنمو حال أن نصل إليه نشيخ وقد نموت مثل بقية الأحياء إن كنا دولا أو مؤسسات أو شركات أو أفرادا، وهذا يُطبق على الأعمار والثروة وكل شيء تقريبا في هذه الدنيا.   

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي