أوروبا بحاجة إلى صندوق للتنمية الصناعية

خلال 2016، قال رئيس المفوضية الأوروبية السابق، جاك ديلور، أنه إذا كانت سياسات الاتحاد الأوروبي "تهدد التماسك وتُضحي بالمعايير الاجتماعية"، فإن "المشروع الأوروبي لن يكسب دعم المواطنين الأوروبيين". وأبدى ديلور ملاحظته هذه في أعقاب انتخابات البرلمان الأوروبي التي أجريت خلال هذا الشهر، لذا فهي صائبة أكثر من أي وقت مضى.
ونظرا للمكاسب الكبيرة التي حققها اليمين المتطرف، يتوقع أن يعطي البرلمان الأوروبي الجديد الأولوية لقضايا مثل الهجرة، والأمن، وأزمة تكاليف المعيشة المستمرة على حساب قضية تغير المناخ. ونظرا لكون عدد كبير من أعضاء البرلمان الأوروبي الذين انتخبوا حديثا، يعارضون الأجندة الخضراء للاتحاد، فقد يضطر الاتحاد الأوروبي أيضا إلى إبطاء وتيرة انتقاله إلى صافي الانبعاثات الصفري.
إن إحدى أكثر حجج اليمين المتطرف شيوعا فيما يتعلق بمعارضته للانتقال الطاقي هي أن الصفقة الأوروبية الخضراء تعتمد بدرجة كبيرة على المدخلات من الصين والولايات المتحدة. إذ ارتفعت واردات الاتحاد الأوروبي من منتجات التكنولوجيا النظيفة من الصين في السنوات الأخيرة، حيث بلغ مجموعها من بطاريات الليثيوم أيون 23.3 مليار دولار، و19.1 مليار دولار من الألواح الشمسية، و14.5 مليار دولار من السيارات الكهربائية في 2023 فقط.
ومن أجل دعم الموقف التنافسي للاتحاد الأوروبي، يتعين على صانعي السياسات أن يتخذوا إجراءات حاسمة لدعم الصناعات الحيوية. وفي الآونة الأخيرة، وقعت أكثر من 1200 منظمة، بما في ذلك 840 شركة تصنيع رائدة، على إعلان "أنتويرب"- الذي يدعو إلى عقد "صفقة صناعية أوروبية" لتكون جزءا أساسيا من الأجندة الإستراتيجية للاتحاد الأوروبي للفترة 2024-2029.
ومن الضروري القيام بأربع خطوات. أولا، يتعين على صانعي السياسات الأوروبيين أن يدركوا أن إبطاء عملية الوصول بصافي الانبعاثات إلى الصفر من شأنه أن يؤدي إلى تراجع القدرة التنافسية العالمية للاتحاد الأوروبي.
ثانيا، إن إنشاء صندوق أوروبي للتنمية الصناعية مهم جدا لتحقيق استقلال الطاقة والسيادة التكنولوجية. ويمكن لمؤسسات الاتحاد الأوروبي اتخاذ قرارات حاسمة والتصرف بناء عليها في غضون أشهر إذا اقتضى الأمر، وهذا ما أثبتته مبادرة تقديم المعونة المالية لجميع البلدان الأوروبية خلال أزمة كوفيد-19.
ثالثا، ينبغي تمويل الصندوق الأوروبي للتنمية الصناعية عن طريق إصدارات الديون المشتركة. ولتعزيز إنتاج التكنولوجيات الخضراء مثل السيارات الكهربائية، والمضخات الحرارية، والألواح الكهروضوئية، ينبغي تيسير إتاحة آلية التمويل هذه لرواد الأعمال دون شروط أهلية تعجيزية. والأهم من ذلك أنه من غير الممكن أن ينجح الصندوق الأوروبي للتنمية الصناعية من دون توفير ما يكفي من أدوات التمويل لشركات الطاقة المتجددة في الاتحاد الأوروبي- وهي الميزة التي تتمتع بها الشركات الأمريكية بالفعل في ظل قانون الحد من التضخم.
وأخيرا، ينبغي أن يكون إصدار الديون المشتركة مصحوبا بجهود متضافرة لتحديد مصادر جديدة للإيرادات. ويتمثل أحد الخيارات في فرض تعريفات استيراد إضافية على المركبات الكهربائية الصينية. ويتمثل الخيار الآخر في فرض ضريبة على المنصات الرقمية والواردات البلاستيكية.
وفي الماضي، كانت أموال الاتحاد الأوروبي توزع وفقا لسياسات التماسك في الاتحاد ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء. ولكن صندوق "الجيل القادم من الاتحاد الأوروبي"، الذي تأسس في 2020 لمساعدة الدول الأوروبية على التعافي من الوباء، سجل سابقة جديدة بتخصيصه لـ800 مليار يورو (858 مليار دولار أمريكي) في هيئة منح وقروض وُزعت على الاقتصادات الفردية كل حسب مدى تأثرها بكوفيد - 19.
ومع أن هذا النهج قد يواجه مقاومة من دول أعضاء أخرى، إلا أنه مهم جدا لتسهيل النهضة الصناعية في أوروبا. ولكي يظل الاتحاد الأوروبي قادرا على المنافسة في الاقتصاد العالمي اليوم، يتعين عليه أن يعمل على التعجيل بالتحول إلى صافي الانبعاثات الصفري. ويعد الصندوق الأوروبي للتنمية الصناعية خطوة ضرورية في هذا الاتجاه.
خاص بـ " الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي