عبدالغني العجو .. أخطبوط كوّن ثروته بالسير حافيا على الزجاج!
قصته تجسد مقولة "لا تتوقف أبدا".. حدث ذلك حين تحولت حياته من طفولة ممتعة إلى رحلة هروب من دوي صوت الرصاص ورائحة البارود بحثا عن وطن بديل، تحول فيه من عامل يحمل الزجاج على كتفيه إلى تاجر يتحمل الأخطار يسهم في تخفيف أوجاع المرضى، وكذلك أبا روحيا للمصورين والمخرجين الخليجيين وصديقا وفيا للجميع.
ولد الطفل عبدالغني العجو في 10 يناير 1935، بمدينة مدينة يافا الفلسطينية التي تقع على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، آنذاك عاش في كنف والده تاجر الفاكهة الميسور، داخل بيت واسع مكون من طابقين ضمن طفولة هانئة دفعته إلى البحث عن شغفه في عمر مبكر، ولم يكن يثير فضوله أكثر من التصوير لدرجة دفعته أن يعمل في استوديو لمصور أرميني في مدينته.
لكن بعد 3 أشهر من مشواره الدراسي الجيد، اتخذ قرارا بمغادرة مقاعد الدراسة والاكتفاء براتب أسبوعي يبلغ 25 قرشا فلسطينيا، وحين بلغ الثانية عشر أصبح مصورا فوتوغرافيا قادرا على التحميض وطبع الأفلام وتلوينها باليد.
لم تدم الحياة الهانئة، فمع نكبة 1948 اضطر عبد الغني وأسرته إلى ترك فلسطين، وبعد رحلة من الشتات في لبنان والأردن، قرر الشاب الالتحاق بأخيه الذي سبقه إلى مدينة جدة، عروس البحر الأحمر، هناك وجد الأمن والاستقرار، وفي مطلع الخمسينيات ومن خلال الباخرة "تالودي" التي عبر عنها حينما وصل بأول "أيام الخير والبركة". بعدها التحق بالعمل مع أخيه في إحدى شركات الزجاج وكانت مهمته تحويل الزجاج إلى مرايا من خلال مواد كيميائية، ومكث نحو 3 أشهر براتب 350 ريالا قبل أن تفتتح الشركة فرعا لها في الرياض ما أتاح له التنقل بين المدينتين.
تشير الشواهد إلى أن عبدالغني العجو، كأن أمام خيارين تحت شمس حارة في العاصمة الرياض، الأول إما أن يكون صلبا لا يتعب بسرعة ولا ينهزم بسهولة، أو يغادر سباق الفرص التي منحتها السعودية للجميع. بالطبع انحاز للخيار الأول، فأقنع أخاه بالمجيء واستأجر بيتا ومحلا تجاريا في سوق المرقب جنوب الرياض من أجل بيع الزجاج، وهكذا بدأت المسيرة بحمل الرجل للزجاج على كتفيه لتركيبه في المكاتب والمنازل، حتى أول الخطوات الكُبرى في 1958 حين أسس شركته التي أصبحت ناجحة بكل المعايير.
بدأت الشركة بتصنيع وبيع الزجاج، بيد أن "العجو" كان تاجرا أكثر من كونه مُصنّعا للزجاج، لذلك سرعان ما دخل في صفقات عدد من السلع الصغيرة مثل عصّارات الليمون وما إلى ذلك، وبسبب شهرته وأمانته تمكّن من الحصول على أول توكيل لإحدى الشركات التي تبيع السلع المكتبية، وبعد سنوات قليلة، أحيا شغفه في التصوير لكن تلك المرة من خلال توكيل شركة "كانون" الشهيرة في تصنيع أجهزة التصوير والكاميرات وطابعات الحاسوب.
المغامرة المحسوبة، واستشراف المستقبل، ميزتان تميز بهما رجل الأعمال عبد الغني العجو، الذي كان يزور في اليوم الواحد 5 وزارات بحثا عن صفقة هنا أو هناك حتى لقب بـ"الأخطبوط"، ونتج عن ذلك تعرفه برجل أعمال سويسري في المملكة ونصحة الأخير بتأسيس شركة للمعدات والأجهزة الطبية، وكان نتاج تلك النصيحة شركة الجيل الطبية التي أسهمت في تجهيز نحو 40 مستشفى حكوميا تابعة لوزارة الصحة والقطاع العسكري، ناهيك عن تجهيز عشرات المختبرات وتوفير الأسرّة الطبية وأجهزة تنظيم القلب، وبسبب سِبقه في هذا القطاع، تمكّن من حجز مكان قوي في سوق صارت قيمته التسويقية مليار ريال سعودي في 2020، وبلغ نسبة نموه السنوي 5.5 %.
حصول مجموعة العجو على شهادة الآيزو، كونها صنفت ضمن أكبر 100 شركة في السعودية عام 2010، بفضل وكالاتها الحصرية لشركات كُبرى مثل "سامسونج" لتوزيع الشاشات العملاقة وأجهزة الكمبيوتر المحمول، وشراكتها الإستراتيجية مع شركة ريكو العالمية للطباعة، وغيرها على غرار وكالته على العلامات التجارية مثل واكيتو واكي ووايدين بورس وسان جود وانسيل كورتل ونورد بلان، التي وصل إليها عبد الغني العجو كونه الرأس المفكر لمجموعته الضخمة رغم وجود أولاده في الإدارة، ولم تكن تلك النجاحات لتستمر إلا في ظل مناخ سعودي استثماري ممتاز تمكن من احتضان المستثمرين المغامرين والجريئين من العرب والغرب.
تحققت أرباح عبدالغني العجو، بعدما راهن على نجاح السعودية قبل 7 عقود، فأصبحت الرياض أرض الفرص العظيمة في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما افتخر به قبل وفاته حينما كرمته إمارة الرياض في 2014، لكن يظل التكريم الأكبر بعد حصوله على الجنسية السعودية إثر مجيئه في الخمسينيات في لحظة يصفها بالمجيدة ويقول عنها "وضعت الورقة بجوار قلبي".
لو قابلت "العجو" قبل رحيله في أواخر يونيو 2024، وطلبت نصيحته في مجال التجارة، حتما لن يشور عليك بأهمية دراسة الجدوى أو تعزيز مهارات التفاوض، ولكن سيشدد على أهمية التواصل مع البشر كونهم الرأس الأغلى والأثمن في العمل، بقوله: "حرصت على علاقاتي مع الجميع، وإذا عابك واحد سيدافع عنك مليون شخص غيره". فيما كانت وصيته في 2016 في برنامج "من الصفر" عبر إم بي سي ، أن يُدفن بالمحبة التي أحب فيها الجميع" وهو ما تحقق تاركا خلفه سيرة لخصّتها الفنانة أصالة حين وصفته: "فيه من صفات الرجولة كلها والشهامة والحنان والحِكمة أعلى درجاتها".