برنامج إجادة وتكلفة الرقابة

انتشر في الصحف الإلكترونية والمواقع المختلفة خبر إلغاء عقد برنامج إجادة من قبل أمانة منطقة الرياض، ولا أعرف الأسباب التي أدت إلى هذا الإجراء، لكن بالتأكيد إن لدى الأمانة مبررات كافية، وكما فهمت فإن هناك برنامجا مطورا يحقق الأهداف ويتغلب على المشكلات، هذا المقال يستند إلى التجربة، برنامج "إجادة" عموما لفهم مشكلة الوكالة من باب تكلفة الرقابة، أولا أود التوضيح أن مشكلة الوكالة أو نظرية مشكلة الوكالة (Agency Theory) من أقدم المشكلات التي واجهت البشر، عندما كان عليهم توكيل شخص للقيام بمهام معينة قد تعود عليهم بالنفع أو الخطر، وهذا الوكيل يعمل منفردا بعيدا عن عين صاحب الحق.

هنا تظهر مشكلة داخلية تسمى الخطر الأخلاقي (Moral Hazard) وهي ببساطة تعني أن الشخص قد يخون الأمانة فلا يعمل لمصلحة صاحب الحق، إنما يعمل لمصلحته الشخصية، ثم يقوم بالتلاعب بالتقارير والأرقام لخداع صاحب الحق، وهي ترتبط بمشكلة أعقد هي عدم التماثل المعلوماتي (Information Asymmetry)، أي إن المعلومات التي لدى الوكيل هي معلومات أكثر وصحيحة بينما المعلومات التي لدى صاحب الحق (لبعده أو ضعفه) أقل أو لا يمكن الوصول إليها، وهذا يتيح للوكيل التلاعب. هذه المشكلات أصيلة في العلاقات الإنسانية، بمعنى أنه لا يمكن الفكاك منها أبدا، وكم من شخص ادعى القدرة على ذلك فخسر ماله وقد يخسر نفسه، لهذا فإن مشكلة الوكالة لا انفصام منها، وقد اكتشفها عمر بن الخطاب رضي الله عنه منذ فجر الإسلام، ولذلك كان شديدا على العاملين معه.

هذه المشكلات الأصيلة في العلاقات الإنسانية تفرض علينا الرقابة، وإلا فنحن لا نحب الرقابة، لا كأصحاب حق ولا كخاضعين للرقابة، لا أحد يحبها، والسبب أنها مكلفة، نعم يجد أشخاص كثر رزقهم من هذا الباب، والمراجعون ومطورو البرامج والتطبيقات، والأمن بشتى أشكاله، كلهم جميعا وغيرهم كثير يجدون رزقهم بسبب تكلفة الرقابة، لكن بشرط ألا تتجاوز هذه التكاليف معدلات معينة، ولا تستغرق الدخل الناتج عن العمل، وإلا فستصبح معول هدم لا معول بناء، فمثلا عندما يمتلك الشخص بقالة دخلها الشهري الصافي ألف ريال، ثم يتطلب منه مراقبة عماله خوفا من مشكلة الوكالة (لأنه لن يبقى في محله أبد الدهر) ولأن هناك من الزبائن من يسرق أيضا، لذا عليه أن يضع أجهزة رقابة مختلفة من أجهزة محاسبة وحتى أجهزة رصد، وهذه لها تكلفة بل تكاليف، فإذا هي تجاوزت في تكلفتها ألف ريال شهريا فهي معول هدم لا فائدة منها، وإذا هي بلغت 500 ريال فهي قاهرة للعمل، ولذا يجب ألا تتجاوز حدا معينا يقرره صاحب المحل، كل حسب طبيعته في تقبل المخاطر.

والآن ما علاقة هذا كله ببرنامج إجادة؟

برنامج إجادة مهم كفكرة، ذلك أن الانضباط من المحال بكافة أنواعها للاشتراطات البلدية هو أمر في محله ومطلوب، لكن كانت (وكما فهمت من عديد من أصحاب المحال التجارية) المخالفات المرصودة كثيرة التفاصيل، وبعضهم (ولعل هنا مبالغة قليلا) يصف موظف إجادة وهو يبحث في كل زاوية حتى عتبة الباب! وهذا يتطلب من صاحب المحل رقابة شديدة على العمال، ذلك أنه سيدفع الغرامة من جانبه ثم يعود لتحميلها على العمال المخالفين.

لكن هذه السياسة ليست ببساطة الحديث عنها، فكيف يتم تحميل الموظف إذا كان هناك أكثر من واحد، وقد يدعي هذا خلاف ذاك، ومنهم من يدعي أن موظف إجادة تعمد كذا وفعل هذا. لا يمكن لصاحب المحل في ظل (مشكلة الوكالة الأصيلة والمشكلات ذات الصلة التي بينتها) أن يتأكد ما لم يعزز محله بأدوات رقابية.

هنا تبدأ تكلفة الرقابة في الدخول كعامل حسم، فإذا كان المحل لم يأخذ في حسبانه هذه التكلفة من البداية، فإن دخولها سيكون عبئا كبيرا جدا، وضاغطا على الإيرادات، وقد تقود إلى خسائر، وإذا اضطر إلى رفع الأسعار فإنه قد يخسر السوق، والأمر على هذا المنوال، حتى تستطيع السوق إعادة هيكلة القطاع كاملا وتحديد سقف أسعار جديد أو نماذج عمل جديدة، وهذه تأخد وقتا طويلا في العادة.

هذه المشكلة أيضا تتكرر مع كافة البرامج الأخرى للجهات المختلفة، لذا يجب دعم المنشآت حتى تستطيع الامتثال وتحمل تكلفة الرقابة الإضافية دون إحداث خلل في الأسواق، تصعب معالجته لاحقا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي