اقتصاديات صناعة المؤثرين والمشاهير
المشاهير والمؤثرون هم في الواقع أشخاص اكتسبوا سمعتهم وشهرتهم لأول مرة من خلال قنوات الوسائط التقليدية، ثم بدأوا في إنشاء محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متتابع ونشط. وبما أنهم اكتسبوا هذه السمعة والشهرة فقد أصبح بمقدورهم استهداف والوصول إلى أفراد ومجموعات وهيئات معينة. والمؤثرون هم أشخاص لهم توجهات في مجال اهتمامات ورغبات وتخصصات تلك الكيانات المستهدفة بل ولهم تأثيرهم في جماهيرها ومتابعيها أيضًا، كما ويتمتع المؤثرون بمعرفة متخصصة أو سلطة أو رؤية ثاقبة لموضوع معين. وأصبح المؤثرون مشاهير في قنوات التواصل الاجتماعي على الرغم من تدني وضحالة المحتوى المقدم في بعض الأحيان، وكل مؤثر مشهور في دائرته، لكن الشهرة لا تعني التأثير.
وقد جرت العادة أن بعض الشركات تبحث عن أولئك المشهورين المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي الذين يمكنهم الترويج لعلاماتهم التجارية. ولذلك، يجني المؤثرون أموالاً وأرباحًا من خلال وسائل وطرق مختلفة مثل المنشورات الدعائية والتسويق وبيع المنتجات أو الخدمات وإيرادات الإعلانات. وتختلف أحجام ومقادير تلك بأشكال متفاوتة، حيث يحصل بعض المؤثرين على بضع مئات من الدولارات لكل منشور، بيد أن كبار المؤثرين يمكنهم أن يكسبوا الآلاف أو حتى الملايين من الدولارات.
لقد قام عديد من شركات تحليل وسائل التواصل الاجتماعي بتقدير درجات ومعدلات المؤثرين في ضوء الدراسات الاستقصائية والبيانات الداخلية، ووجدوا أنها تعتمد على نوع وسيلة التواصل الاجتماعي وعدد متابعي المؤثر.
دعونا نأخذ "إنستجرام" على سبيل المثال، حيث تصنف شهرة المؤثر تبعًا لأعداد المتابعين له وبالتالي درجة التفاعل. يراوح عدد متابعي المؤثر الصغير عادة ما بين 50 و100 ألف متابع، ويوضع مبلغ مالي في محفظته ما بين 100 إلى 500 دولار لكل منشور. وترتفع العوائد المادية بارتفاع أعداد المتابعين للمؤثرين المتوسطين ومن ثم للمؤثرين الكليين وصولا إلى المؤثرين الكبار الذين يزيد عدد متابعيهم على 500 ألف متابع، حيث يتسلمون ما لا يقل عن 10 آلاف دولار لكل مشاركة، وقد تراوح ما بين مليون و3 ملايين دولار لكل مشاركة، إذا كان لدى المؤثر المشهور ملايين من المتابعين في حسابه.
ومن هنا خرج مفهوم صناعة المؤثرين والمشاهير، حيث يهيمنون على وسائل التواصل الاجتماعي بمتابعاتهم في مساعدة أصحاب العلامات التجارية في ترويج سلعهم وتسويق منتجاتهم للعملاء المحتملين. لقد أظهرت الأبحاث أن الاختلاف بين أنماط المؤثرين سيتطلب من الشركات التمييز بين منتجاتهم لتقليل المنافسة، ما قد يؤدي إلى خفض الأسعار. الجدير بالذكر أن القيمة السوقية للتسويق عبر المؤثرين في العالم بلغت 21.1 مليار دولار في 2023، أي أكثر من 3 أضعاف منذ 2019.
تقوم صناعة المؤثرين على منصة التواصل الاجتماعي بواسطة التفاعل بين المشاركين وهم صناع المحتوى الرقمي (المؤثرين) والمستهلكين (المتابعين) ووكالات الإعلان والدعاية والمعلنين، وتربطهم جميعا منصة التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب وإنستجرام وتيك توك. وكلما زاد التفاعل، زادت التدفقات النقدية بين أطراف صناعة المؤثرين، ولذلك تبحث الشركات عن ذلك المؤثر صاحب الشعبية الكبيرة من خلال عدد متابعيه.
ومع ذلك، فقد تواجه بعض الشركات معضلة في توفير ميزانية تكفي لهذا المؤثر، وبالتالي قد تضطر إلى البحث عن آخر ذي شعبية أقل. وما فتئت منصات التواصل الاجتماعي تنتج وتفرز بين حين وآخر أنواعًا جديدة من المحتوى الإبداعي من قبل المؤثرين والمشاهير، الذي يُفترض أن يتم توجيهه واستثماره بشكل صحيح ويكون مختلفًا عن وسائل التواصل التقليدية. ومع تكاثر عدد المؤثرين وتزايد شعبيتهم، أصبح لهم دور في ريادة الأعمال ودفع الاقتصاد قدمًا، وهذا ما دعا البعض إلى إطلاق مصطلح رواد الأعمال على المؤثرين، لأنهم يقومون بتحفيز النمو الاقتصادي بطرق عديدة من خلال تلبية الحاجة إلى سلع وخدمات متاحة.