هل سبب التصحيح ياباني ؟
تصحح الأسواق المالية دائما لأن هناك فجوة مستدامة بين الأساسيات والقيمة السوقية، الأولى تخضع لحسابات الأرباح وجودتها والثانية لاختلاف التفكير حول الأساسيات والصورة الكلية للأخطار والعواطف، تتغلب إحداهما على الأخرى في فترات مختلفة بسبب التركيز على عوامل دون أخرى، لأن من طبيعة البشر ألا ينصاعوا بتوازن. لذلك يقال إن الأسواق تتسلق حائطا من المحاذير، المحاذير تعبير عن الأخطار و الفجوات في التفكير والإدراك، لكنها غالبا تجد سببا عقلانيا ليهد البنيان لفترة تعقبها بناء آخر.
السبب الأهم يكون في الفجوة في التقييم حيث القيم السوقية أعلى من القيم الجوهرية، مسببات التصحيح عادة تكون موجودة لكنه يبحث عن شرارة، التي أيضا ليست مستبعدة كما حدث في الأوراق المالية العقارية في 2007، في هذه المرة وجدت الأسواق شراراتها، ما يسميه المضاربون خاصة المؤثرون منهم "المتاجرة بالين"، لذلك دعني أقدم شرحا مفصلا بعض الشيء.
يتجه المضاربون أو المتاجرون بالاقتراض بالين لأن الفوائد عليه أقل بكثير من الدولار، خاصة بعد رفع الفوائد الأمريكية منذ سنتين تقريبا ومن ثم تحويلها إلى الدولار للاستثمار في الأوراق المالية الأمريكية خاصة الأسهم، تجارة رابحة حتى تتوقف، توقفت ربحيتها حين قرر البنك المركزي الياباني رفع الفائدة، ما أدى إلى رفع تكلفة الاقتراض بالين من ناحية وارتفاع سعر صرف الين من جهة أخرى ما فاقم الخسائر على المضاربين، حركة البنك الياباني جعلت هؤلاء يتجهون إلى عكس المراكز المالية ببيع الأسهم الأمريكية وتسديد القروض بالين.
بداية الشرارة تقود الانفعال من الآخرين إلى مزيد من البيع نتيجة الهلع والحديث بأن هناك معلومات لدى هؤلاء، بل محاولة لإيجاد أسباب أخرى مثل: الحرب في الشرق الأوسط وعدم اليقين حول الانتخابات الأمريكية وأرقام التوظيف في أمريكا بالتالي إعادة الحديث حول الركود الاقتصادي ومدى حدته، ربما أيضا أسهم تقليص ورن بفت لحصته في شركة أبل في الخوف لدى بعضهم. كل هذه الأسباب موجودة لكن تفعيلها بمعنى استحضارها إدراكيا ووقتيا يساعد على تحريك العواطف وتفعيل حركة البيع.
اللافت أن نزول المؤشر الياباني كان الأكثر حدة يوم الاثنين 5 أغسطس حين انخفض بأكثر من 12 % ليرتفع الثلاثاء الذي يليه أكثر من 10 %. ربما لأن السوق اليابانية حققت ارتفاعا مجزيا بعد عقود من السبات، بالتالي هو الآخر بانتظار شرارة تبدأ منطقية لتبالغ في الحركة. المؤشر الصيني لم يتأثر كثيرا لأنه في سبات منذ سنوات وله دينماكية خاصة منفصلة عن الأسواق بعض الشي بسبب دور الحكومة من ناحية وتحديات الصين الخاصة بها من ناحية أخرى، كذلك تعبيرا عن الانقسامات العالمية التي يعيشها العالم جيوسياسيا.
في أمريكا هناك انقسام غير صحي بين 7 شركات تقنية ركبت موجة تفاؤل بالذكاء الاصطناعي والبقية، بالتالي خسرت هذه السبع أكثر من تريليون دولار من قيمتها في أيام عدة. في خلال أقل من أسبوع استردت معظم الأسواق خسائرها، في المجمل هذه طبيعة الأسواق المالية، ترتفع لأن الظاهرة المالية يقودها عاملان أساسيان الأول: أن العالم يحكمه ظاهرة "financialization" تغلب دور المال على النشاط الاقتصادي خاصة منذ 1971، والثانية: أن العائد على رأس المال غالبا أعلى من النمو الاقتصادي.