"ليونة" للصرامة النقدية الأمريكية
"الاقتصاد الأمريكي هو الأقوى في العالم، مع نمو متماسك" جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة
كل الأسواق والساحات الاقتصادية تترقب الخطوة المقبلة الآتية من المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي، بشأن خفض الفائدة. وحالة التقرب التي تعيشها طالت قرابة 4 سنوات، شهدت تشديداً نقدياً أمريكياً نادراً، وصرامة قوية في مسألة مراجعة مستويات تكاليف الاقتراض.
الأولويات اختُصرت في الفترة الماضية بأولوية واحدة أساسية، وهي السيطرة على التضخم، وخفضه إلى المستوى القريب من الحد الأعلى الرسمي المعروف، وهو 2%. في هذه النقطة بالذات، تتداخل أوضاع الاقتصاد المحلي، بالحراك الاجتماعي المعيشي، الذي لفته المصاعب لفترة طويلة، نتيجة الغلاء وتراجع سوق العمل، والاضطراب المعتاد في الموازنة العامة للبلاد، إضافة إلى التباطؤ الذي أوصل الاقتصاد إلى حافة الركود.
الحالة الاقتصادية الأمريكية، لم تكن فريدة عالمياً، بل تكاد تكون متطابقة مع بقية كل الاقتصادات المتقدمة، ناهيك عن تلك التي تعاني أصلاً من مشكلات شبه دائمة.
إشارة واحدة من رئيس "الفيدرالي الأمريكي" جيروم بأول، بإمكانية خفض للفائدة الشهر المقبل، حرك كل شيء تقريباً. فمؤشرات الأسهم الأمريكية الرئيسة الثلاث، حققت قفزة كبيرة، مدعومة بأسهم شركات التكنولوجيا عموماً. وعلى الجانب الآخر من الأطلسي في أوروبا، انتعشت الأسواق أيضاً، بل بدأ الحدث يدور حول "دفعة جديدة لأصول المخاطرة على المستوى العالمي".
في ظل هذه الأجواء التي تشكلت في الواقع بناء على وعد فقط، وليس قرارا تم اتخاذه أصلاً، برز العامل المساعد البارز، من جهة النمو الذي حقق زيادة في الولايات المتحدة في الربع الثاني من هذا العام بلغ 2.8%، مرتفعاً من 1.4% في الربع الأول. وعلى هذا الأساس، يمكن القول إن المشرعين الأمريكيين دخلوا في دائرة المرونة، رغم التوقعات المتشائمة التي ظهرت في الأسابيع الماضية، حول إمكانية وقوع أكبر اقتصاد في العالم في حالة من حالات الركود.
الأخطار التي كان هؤلاء يخشونها حيال التضخم تضاءلت، ما يجعل الحراك نحو التيسير النقدي أكثر سلاسة، رغم أنه لا توجد ضمانات مطلقاً، لاتباع سياسة التيسير حتى نهاية العام الجاري. لكن اللافت، أنهم تخلصوا من إصرارهم الطويل على جلب التضخم إلى 2%، وقبلوا بمستواه الحالي عند 2.9%. ولم يحدث ذلك إلى في ظل فائدة مرتفعة بلغت 5.5%، التي ستشهد أول خفض من نوعه منذ قرابة 4 سنوات.
العمل على جعل الحد الأقصى للتضخم أكثر استدامة، يتطلب إضافة إلى التشديد، رقابة لا تغيب عن الساحة الاقتصادية عموماً، وقراءة التوجهات الحكومية أيضاً، المعرضة للتغيير. غير أنه لا بد من الإشارة هنا، إلى جودة الأداء الاقتصادي الأمريكي في الفترة القصيرة الماضية. فرغم الفائدة المرتفعة زاد النمو مدفوعاً بإنفاق المستهلكين، وزيادة المخزونات.
اللافت أن الخطوة التي يعتزم "الفيدرالي الأمريكي" الإقدام عليها الشهر المقبل، ضربت كل التوقعات السلبية حيال الاقتصاد المحلي. لكن ذلك، لا يضمن مواصلة سياسة التيسير النقدي في المستقبل بوتيرة سريعة.
فجيروم باول كان واضحاً عندما أشار، إلى أن الطريق الصحيح هو تبني نهج بطيء ومتناسق لخفض أسعار الفائدة، ما يؤكد حفاظ المشرعين على صرامتهم في ها الشأن في الأشهر المتبقية من العام الجاري على الأقل، مع وجود بعض من يتسمون بالصرامة الأشد. التيسير الأمريكي النقدي المقبل، سيسهم بالضرورة في تفعيل الحراك أكثر فأكثر، ليس فقط على الساحة المحلية، بل العالمية أيضاً، التي تنتظر هي أيضاً الخطوة الأمريكية منذ سنوات، وتأمل أن تتواصل في المرحلة المقبلة، حتى وإن كان هذا التيسير متواضعاً من حيث المستوى.