لماذا تشكل الديون الأمريكية خطرًا على الاستقرار المالي؟

عند الحديث عن الولايات المتحدة فإنها تذكر كأقوى اقتصادات العالم وأكثرها استقرارًا. لكن على الجانب الآخر تذكر بأنها الدولة ذات الدين الضخم، حيث إن وتيرة نمو ذلك الدين خاصة منذ جائحة كورونا قد تنذر بكارثة مقبلة. لن يتوقف صداها على الاقتصاد الداخلي فقط، لكنه سيمتد إلى شتى دول العالم. نظرًا للارتباط القوي بين الاقتصاد العالمي واقتصاد الولايات المتحدة.
مسيرة صعود الدين العام الأمريكي كانت منطقية حتى بداية القرن الحالي. فوفقًا لبيانات وزارة الخزانة الأمريكية فقد ارتفع الدين من 10 تريليونات دولار في 2000 ليصل إلى 33.2 تريليون دولار في 2023، بمعدل نمو إجمالي وصل إلى 232 %. بينما وصل إجمالي الديون بحلول أغسطس 2024 إلى 35.2 تريليون دولار، تلك الأرقام الضخمة جعلت الدين العام في الولايات المتحدة خلال 2023 يتجاوز الدين الإجمالي لكل من الصين واليابان وبريطانيا وفرنسا مجتمعات. ويشكل الدين نحو 123 % من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.
وتيرة صعود الديون تأثرت بعديد من العوامل، التي دفعت الإنفاق للقفز بمستويات متسارعة دون أن يقابله نمو في حجم الإيرادات. البداية من الأزمات الاقتصادية التي أصابت العالم وفي مقدمتها أزمة كورونا، فمع انتشار الوباء واتجاه الحكومات لتبني حزم لتنشيط الاقتصاد ودعم المستهلكين. أدى ذلك إلى قفزة في الإنفاق الحكومي، حيث ارتفع الإنفاق في الولايات المتحدة من 5.3 تريليون دولار في 2019 ليصل إلى 7.7 تريليون في 2020، الارتفاع في الإنفاق دفع الديون الحكومية إلى الارتفاع بمستويات قياسية، حيث ارتفعت من 27.1 تريليون دولار في 2019 لتصل بنهاية 2020 إلى 31.8 تريليون دولار، بجانب كورونا فهناك عديد من الأزمات التي تركت أثرها في الإنفاق الحكومي مثل أزمة الرهون العقارية في 2008، إضافة إلى الحروب الخارجية التي رفعت مستويات الإنفاق العسكري.
في المقابل لم تجارِ الإيرادات الحكومية النفقات، على سبيل المثال انخفضت الإيرادات في 2023 12.3 % لتسجل 4.4 تريليون دولار وذلك مقارنة بنحو 5 تريليونات في 2022. الانخفاض في حجم الإيرادات تأثر بعوامل عدة، منها: التباطؤ الاقتصادي الذي يؤدي إلى انخفاض في الإيرادات الضريبية التي تجمعها الحكومة، إضافة إلى السياسات الحكومية في الأعوام الأخيرة التي قدمت حوافز ضريبية للشركات والأفراد. على سبيل المثال قام ترمب في 2018 بخفض معدل الضرائب على الشركات من 35 % إلى 21 %، وذلك بهدف تشجيع الشركات على العودة للعمل في الولايات المتحدة وزيادة الإنتاج.
العجز المالي الناتج عن الفرق بين الإيرادات والنفقات يتم تدبيره بشكل مباشر عبر إصدار الديون مثل أذون الخزانة والسندات. وتتم تغطيته من المستثمرين سواء المحليين أو الدوليين، على سبيل المثال امتلك المستثمرون الدوليون بحلول يونيو 2024 نحو 8.2 تريليون دولار من أدوات الدين الأمريكية، وتأتي اليابان في المقدمة بنحو 1.12 تريليون دولار، والصين في المرتبة الثانية بـ780 مليار دولار. لكن السؤال الأكثر أهمية، هل يمكن أن تدخل الولايات المتحدة في أزمة ديون؟ في النصف الأول من 2023 دار خلاف داخل أروقة الحكم في الولايات المتحدة، حيث رفض الكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون رفع سقف الدين. لتمكين الحكومة من الاقتراض وسداد التزاماتها. وبعد مفاوضات شاقة تمت الموافقة على الخطة، تلك الحادثة أثارت الشك في الاقتصاد الأمريكي بشأن القدرة على الاستمرار في الاستدانة وجر الديون الحكومية إلى مستويات قياسية جديدة لا تتناسب مع النمو في الناتج المحلي والإيرادات، وفي ظل انتخابات رئاسية قد تشهد عودة ترمب لأروقة الحكم من جديد وفي ظل خطط اقتصادية تقوم على خفض الضرائب وزيادة الإنفاق الحكومي فقد تبدو الأمور أكثر سوءًا بالنسبة إلى المالية العامة الأمريكية.
ختامًا فإن الوتيرة التي تسير بها الديون الأمريكية في ظل حالة الانكماش الاقتصادي واتساع الخلافات السياسية الداخلية قد تؤدي إلى أزمة ثقة في قدرة الاقتصاد على تحمل عبء تلك الديون. الأمر الذي قد يهدد الاستقرار المالي الأمريكي والعالمي نظرًا إلى أن جزءا كبيرا من استثمارات العالم في أدوات الدين الأمريكية. بالتالي فإن فقدان الثقة في القدرة على السداد والوفاء بالالتزامات قد يدخل العالم في نفق مظلم وأزمة ديون.

 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي