الفيدرالي والفرص الضائعة
كانت رسالة جيروم باول في ندوة جاكسون هول يوم الجمعة الماضي واضحة للغاية حيث توقع خفض أسعار الفائدة في سبتمبر عندما قال: "لقد حان الوقت لتعديل السياسة"، ما نال إعجاب المستثمرين وتحسّن شهية المخاطرة، فقد أغلقت مؤشرات الأسهم الرئيسة في نفس اليوم على ارتفاع بنسبة 1 %، حيث أصبح مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي مستعدين لتقديم أول خفض لأسعار الفائدة في اجتماعهم المقبل في منتصف سبتمبر منذ مارس 2020.
ما دفع بأول لعبارته السابقة يعود إلى التباطؤ المستمر في التضخم بعد بداية مضطربة في النصف الأول من 2024، وارتفاع معدل البطالة إلى 4.3 % في يوليو من هذا العام مقارنة بـ 3.4 % في أبريل 2023، مع حدوث معظم الزيادة في الأشهر الستة الماضية، كما قال باول: "يبدو من غير المرجح أن تكون سوق العمل مصدرًا لضغوط تضخمية مرتفعة في أي وقت قريب، نحن لا نسعى أو نرحب بمزيد من التباطؤ في ظروف سوق العمل"، كما أكد بأول أن توقيت ووتيرة تخفيضات أسعار الفائدة سيعتمدان على البيانات الواردة، والتوقعات المتطورة، وتوازن الأخطار.
حالياً يأمل باول في التقدم نحو خفض التضخم وتجنب دوامة سلبية -ركود اقتصادي- مع بقاء سوق العمل مرنة، حيث يؤدي ارتفاع معدلات البطالة إلى تسريح العمال وبالتالي انخفاض إنفاق المستهلكين، ما يقود إلى تباطؤ الاقتصاد.
بينما تسير قراءات التضخم الشهرية الأخيرة على قدم وساق لتلبية هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي السنوي البالغ 2%، تراهن أسواق العقود الآجلة لأسعار الفائدة مع احتمالات أكبر لتخفيضات بنقطة مئوية واحدة خلال اجتماعات الفيدرالي الثلاثة المتبقية في 2024، ونقطة أخرى على الأقل من التخفيضات بحلول نهاية العام المقبل 2025. لكن البيانات، كما هي الحال دائمًا ستكون دليلاً لبنك الاحتياطي الفيدرالي.
ومع تزايد التوقعات بقيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة في سبتمبر فإن هذا يدفع المستثمرين إلى إعادة تقييم إستراتيجياتهم، خاصة تلك التي تعتمد بشكل كبير على الأصول المقومة بالدولار، مثل النفط والذهب وغيرها، فبعد تصريح باول تراجع مؤشر الدولار الذي بلغ أدنى مستوياته منذ بداية العام ووصل لأقل من مستوى 101 نقطة، ما انعكس إيجابا على الأسواق وزيادة شهية المخاطرة. وزيادة التعرض للأصول التي تستفيد من ضعف الدولار، كذلك بالنسبة إلى القطاعات الحساسة لخفض أسعار الفائدة، مثل التكنولوجيا والسلع الاستهلاكية. لكن حديث الأسواق هذه الفترة هل سيكون تخفيض الفيدرالي بربع نقطة كافياً لرفع معنويات المستثمرين، أم سيتعين على الفيدرالي خفض أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة، لاستبعاد شبح الركود، ولمنع أي هبوط حاد! الحقيقة أن الفيدرالي خذل المستثمرين وخسر ثقتهم عدة مرات، منذ أن زعم في 2021 أن التضخم "مؤقت" حتى تجاوز مستوى التضخم 9 %، وتأخره في رفع الفائدة إلى مارس 2022 ثم صدم المستثمرين عندما توقع أن يكون لرفع الفائدة ألم على الاقتصاد وهو ما لم يحدث، وكذلك تأخره بعدم خفض الفائدة بربع نقطة على الأقل في اجتماع يوليو الماضي.
لذلك يجب على الفيدرالي أن يكون قائداً لا أن يكتفي باللحاق بالركب، وأن يظهر للمستثمرين حزمه في التعامل السريع مع البيانات التي ترده، حتى لا يكون إهدار الفرص الضائعة بمنزلة سمة تلتصق به على الدوام وليستعيد الثقة التي انتزعها من المستثمرين.