رفع كفاءة الاستهلاك .. جوهر الاستدامة
الطاقة شريان الاقتصاد، ومحرك التنمية، وقلب التطور النابض، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن ترقى المجتمعات سلم النهضة في غيابها. الاستدامة هي تلبية حاجات الحاضر دون المساس بمقدرات الأجيال المقبلة لتلبية حاجاتها الخاصة، وهذا يتطلب منهجية متكاملة لا تغفل الجوانب الاقتصادية، ولا تتجاهل الظروف البيئية والسياسية والأمنية. تعي في اعتقادي الدول التي تعتمد بصورة كلية أو جزئية على الموارد الهيدروكربونية "النفط والغاز والفحم" في توليد الطاقة أن هذه الموارد ناضبة.
ويجب العمل بالتوازي على ركيزتين رئيستين لاستدامة هذه الثروة الطبيعية، وهما رفع كفاءة استهلاك هذه الموارد لإطالة عمرها قدر المستطاع، وإحلال مصادر الطاقة الأخرى بموضوعية. بعيدا عن المحاولات غير الموضوعية أحيانا، والمسيسة أحيانا أخرى التي تهدف إلى إقصاء الوقود الأحفوري وعلى رأسه النفط وتقويض صناعته.
وبعيدا عن الأجندات السياسية والاقتصادية ضيقة الأفق، أرى أن إحلال الطاقة المتجددة والبديلة يتطلب حقا منهجية تتماهي مع العوامل الفنية والاقتصادية والأمنية لجميع الدولة. القدرة الاقتصادية والفنية والبنية التحتية وكمية الاستهلاك تختلف من دولة لأخرى، بل أضف أن الوعي أيضا يلعب دورا مهما في كيفية وسرعة -ونسبة إحلال مصادر الطاقة الأخرى.
على سبيل المثال، الحاجة الملحة لمصادر طاقة رخيصة في أوروبا بسبب الضرائب العالية فيها، وبسبب التوجه السياسية لهذه الدول، أسهم في اعتقادي في رفع مستوى الوعي لهذه المجتمعات بأهمية الطاقة الشمسية وتطبيقاتها وجدواها الاقتصادية على المدى المتوسط والبعيد، إضافة إلى رفع كفاءة استهلاك جميع أنواع الطاقة المتاحة لهم.
لو سلطنا الضوء على المنهجية السعودية فيما يخص استدامة الطاقة، لوجدنا تحركات قوية من وزارة الطاقة بالتعاون مع الهيئات والجهات ذات العلاقة لرفع كفاءة الإنتاج، والاستهلاك على حد سواء، والوصول إلى مزيج من الطاقة يحقق مستهدفات رؤية السعودية 2030، التي تشكل فيه الطاقة المتجددة أكثر من 50%. بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
فمن المتوقع أن يرتفع استهلاك الطاقة نحو 50% عام 2050 ليصل إلى 900 كوادريليون "مليون مليار" وحدة حرارية، مقارنة بكمية الاستهلاك 2020 التي تبلغ 620 كوادريليون وحدة حرارية، وجل هذا النمو يأتي من الدول الآسيوية. الأرقام السابقة بناء على استشراف مستقبل كمية الطاقة المستهلكة، تعزز التوجه العالمي والمحلي لرفع كفاءة الاستهلاك والمحافظة على مصادر الطاقة الناضبة.
رفع كفاءة الاستهلاك هو جوهر الاستدامة، وهو عنوان هذا المقال، ولا أعني هنا تجاهل رفع كفاءة الإنتاج أو التقليل من دورها في منظومة الاستدامة الكلية، ولكني أرى أن التركيز على رفع كفاءة الاستهلاك والتشجيع عليه هو الأهم، كونها مرتبطة بالأفراد والقطاع الخاص والحكومي جميعا، أما رفع كفاءة الإنتاج فيستبعد منه الأفراد والقطاع الخاص عادةً، وهو أسهل. الاستدامة في قطاع الطاقة مشروع وطني تكاملي يشمل الجميع، ويتطلب استشعار المسؤولية من الجميع سواء في رفع كفاءة الإنتاج أو الاستهلاك.